للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
سأبدأ حديثي بقصة قصيرة...
اصطحبَ فلاّحٌ عجوزٌ حفيدهُ للتنزّه في إحدى الحدائق القريبة، نظرَ الحفيدُ الصغيرُ إلى الأشجار الملتّفةُ من حوله وصاحَ فرحاً :"ما أجمل هذه الأشجار الخضراء! إنّها تزيدُ المكان جمالاً وزينة... مكانًا جميلا؛ لألعب كرة القدم في ظلالِها!"
ابتسمَ الجدّ الفلّاح قائلاً لحفيدهُ :"عزيزي؛ كلّ ونظرته للأمور... أنتَ مُحقّ! إنّها جميلة فعلا! لكنني أرى بأنّها ستكون أجمل لو كانت تلك الأشجار مُثمرة؛ كي يستفيد منها الناس وليست أشجار زينة فقط!
________________________________________
يُعدّ مَوضوع "الرأي والرأي الآخر" موضوعاً إشكالياً في مُجتمعاتنا العربيّة، وأنوّه هُنا بأنّني لا أتحدّث عن الإدلاء بآراء شخصيّة في المُسلّمات الدينيّة أو القضايا المَحسومة في شرع الله سبحانه وتعالى والتي على المُسلم اتّباعها والإيمان بها. إنّني أتحدّث عن آراء مُختلفة إزاء قضايا مطروحة أو سلوكيات أو عادات أو تصرّفات مُباحة لكنّها تحمل مساحة من "الاختلاف" بين الناس؛ فلا يَخفى علينا العيش في ظلال أزمة حوار اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة وفكريّة. وما يُثير القلق، في أحايين كثيرة؛ وقت لا يتفق الرأي المطروح (في قضيّة مُعينة) مع رأي أحدهم الشخصيّ أو ما يُؤمن به؛ تراه يرفض رفضاً قاطعاً الاستماع إلى الرأي المٌخالف واحترامه، والأدهى أنه قد يستخدم، أحياناً، ما يعينه في تكفير الشخص المُقابل أو تخوينه أو الطعن بصحة ما يقول، ولو اضطره الأمر الى الاحتماء بالدين، واختيار آيات أو أحاديث، وتفسيرها على هواه لتدعيم موقفه المغلوط مع علمه المُسبق لحرمة استخدامها في هذا السياق!
من حقّ كُلّ فرد منّا التعبير عن نفسه! والاختلاف بين الناس في وجهات النظر والآراء (طبعاً في الأمور التي لا تعدّ من المسلّمات الدينيّة)، فذلك من نِعم الله وسنتهِ في خلقه؛ في ظاهرهِ تنوّع واختلاف وفي باطنه رحمة، ولكلّ منّا فكره وآراؤه ونظرته وتقييمه للأشياء؛ التي لم تكُن بالطبع وليدة صدفة؛ بل تتلخّص بثقافته وسلوكه ومعرفته وخبرته في الحياة، ومن الطبيعي جداً أن تختلف من شخص لآخر. لماذا لا نعدّ "الآخر" جزءًا أساسيًّا من المجتمع وأنّ الاستماع له أو مناقشته لن يلحق الضرر؛ بل العكس؟ لماذا لا نتبّع أساسيّات الحوار الراقي ومهارات النقد البنّاء؛ ذلك النقد الصادق من إنسان واعٍ يحاول أن يبصرك بعيوبك ويلفت انتباهك إلى نقائص غابت عنك بحُبٍّ وحرصٍ؟ أين نحن مِن الحِكمة واللين والوعظ الحسن؟ ألم يدعو نبيّ الله نوح قومَ، وهم على ضلال، بالرِفق واللين؟ أين نحنُ من منهج الحبيب محمّد،صلّى الله عليه وسلّم، في قول الله تعالى في سورة النحل "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"؟
لماذا لا نعترف أنّ الرأي الآخر هو سبب لتطوّر الفِكر والمُجتمع؟ وأنّ الاختلاف في الرأي لا يُفسد للودّ قضية؟ فالكمال لله وحدهُ، والإنسان غير منزّه عن الخطأ، ولن يستدل على خطئه إلا من خلال الالتقاء بالآخر، والاستماع؛ لرأيه حتى وإن كان رأيه لا يخدم عاداتنا أو فكرنا أو ما نراهُ مناسباً! في أيّ مكان وُجِد؛ لتبادُل الآراء الحُرّة العامّة أو النقاشات، إن كان إلكترونيًّا أو وجهاً لوجه، إن كان في البيت أو المدرسة، في المقهى أو الدُكّان؛ لا مناص من احترام الآخر ورأيه من خلال انتقاء العبارات المُناسبة للرد، وعدم الاستعجال لمباغتة الآخر وكأنه خصم مُبين؛ فمن حقّ أيّ انسان التعبير عن وجهة نظره الشخصيّة في الأمور وهي ليست حكراً على أحد! وبالتالي، لي كإنسان عاقل أن أقبلها أو أتركها؛ بما يتناسب مع عقائدي وفكري ونظرتي للأمور، وأردّ إن أردتُ ذلك بما أراهُ مُناسباً!
لن، لماذا لا نستعين، عادةً، بالردّ الموضوعيّ الناقد والبنّاء ونذهب إلى استخدام أساليب؛ لا هَمّ لها سوى انتقاد الشخص "الآخر" لذاته وعينه لا لقوله وسلوكه؟! فطريقة الردّ على ما يقوله الآخرون لا تقلّ أهمية، بنظري، عن الاستماع للرأي الآخر؛ فإن أرادت الأم، مثلاً، انتقاد تصرّف ابنها حين خرج للمدرسة صباحاً تاركاً وراءه غرفته غير نظيفة وبعيدة عن الترتيب؛ فمن الأفضل أن تنتقد تصرّف ابنها وسلوكه بقولها:"لمَ تركتَ غرفتك غير مرتّبة اليوم؟"، لا بقولها: "أنتَ ولد غير نظيف ولستَ مرتّبًا كذلك"!
أُجمِلُ قولي هذا؛ بوجود صعوبة أو قلْ من المُستحيل أن يكون الإنسان خاليًا من العيوب، مقبولاً على الجميع!
فحبّذا لو تقبّلنا الإختلاف بيننا واحترمنا "الآخر" منّا وحافظنا على مقوّمات النقد البنّاء الذي يتطلب منّا زادًا معرفياً وثقافة شخصيّة؛ ما أشحّهما في هذا الزمان!!
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net