للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
في بداية ثمانينات القرن الماضي-- وبالتحديد في العام 1983 ، وفي ظلمة ليل الاحتلال البغيض، قررت مجموعة من الشباب وخططت لتطلق حركة تطوعية تخصصية، تستهدف الأرض والفلاح الصامد عليها، انطلاقا من تحليلها وقناعتها بان الأرض هي محور الصراع الدائر بين شعبنا الفلسطيني-- صاحب الأرض-- وبين أعدائنا الطامعين بالاستيلاء عليها وتهويدها وطردنا منها،وقد كانت تلك المجموعة من الرواد مؤلفة في حينها من مهندسين زراعيين-- كانوا في معظمهم من أعضاء وأصدقاء حزب الشعب الفلسطيني-- من أبناء وسكان الريف المستهدف الأول من سياسات الاحتلال التوسعية، بالإضافة إلى متطوعين آخرين تدربوا في مدرسة اللجنة العليا للعمل التطوعي، الإطار الذي أنشاه الحزب في أواخر السبعينات-- كأداة للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وليقود في حينها ولسنوات عديدة بعدها-- أول حركة تطوعية منظمة-- غطت مساحة الوطن بمجمله.
وهكذا كانت لحظة ميلاد الإغاثة الزراعية، تلك المؤسسة التي تعتبر اليوم من اكبر واعرق المؤسسات الأهلية التنموية الجماهيرية، العاملة في مناطق الريف الفلسطيني.. لقد ولدت هذه المؤسسة من رحم المعاناة، التي كان ولازال يقاسي منها شعبنا الفلسطيني، وخاصة مناطقه الريفية التي لم يكتفي الاحتلال بتهميشها، بل وأطلق عليها غول الاستيطان الرهيب، لينهش أرضها بأنياب جرافاته، ويفترس بسياساته وقوانينه القمعية ساكنيها-- أصحاب الأرض الحقيقيين-- أملا بتهجيرهم.. ومن المؤكد أن الحاجة والضرورة هما من فرضا ميلاد هذه المؤسسة الرائدة، كأداة نضالية تساعد الفلاح وتدعم صموده وتعزز قدراته، بما لديها من خبرات وإمكانيات.
كانت البداية عملا تطوعيا في الإرشاد الزراعي، قام به مهندسون وفنيون لخدمة مزارعي الأغوار، الذين كانوا مهددين بالاستيطان والاقتلاع، وتوسعت الفكرة مع تزايد أعداد المتطوعين، الذين وجدوا بذلك العمل شكلا من أشكال المقاومة للمحتل، وتوسعت مناطق الاستهداف لتشمل المناطق الشفا غورية، وكل المناطق المجاورة للمستوطنات، وتلك المهددة بالمصادرة، مما فرض على الرواد الأوائل تشكيل لجان خاصة تنظم جهود المتطوعين وتوجه أنشطتهم، الأمر الذي فرض أيضا تشكيل أداة قيادية-- تخطط للأنشطة وتتواصل مع مختلف اللجان-- وهكذا وبعد سنوات من العمل التطوعي المباشر مع الفلاحين والكد والتعب تحت اسم لجان الإغاثة الزراعية-- وبعد أن حصلت هذه اللجان على أول دعم لها من إحدى المؤسسات الدولية الصديقة للشعب الفلسطيني ( وكان ذلك في العام 1987 ).. حدث تطور جديد في حياة اللجان، وانتقلت إلى مرحلة الماسسة، لتحافظ على ديمومتها وتواصل ترسيخ وتجذير علاقاتها بفئاتها المستهدفة، وذلك عن طريق البدء بتنفيذ عدد من البرامج التنموية القصيرة الأمد منها وأخرى طويلة الأمد.. وبذلك تحولت فعليا إلى مؤسسة أهلية تنموية جماهيرية حظيت بالشرعية المجتمعية فبل أن تسعى للشرعية القانونية.
واليوم وبعد ربع قرن من العطاء تقف مؤسسة الإغاثة الزراعية كالطود الشامخ بين نظيراتها من المؤسسات الأهلية، التي حرصت دوما على توثيق علاقات التنسيق والتشبيك معها-- تقف وخلفها ارث كبير زاخر بالانجازات طالت مختلف جوانب حياة ريفنا الفلسطيني حيث يمكن تلمس بصماتها في كل مكان.. في الطرق الزراعية وفي مشاريع الاستصلاح وحفر آبار مياه الشرب والآبار الزراعية وبرك المياه وفي الحدائق المنزلية وشبكات المياه وفي زراعة الأشجار.. كما ويمكن ببساطة متناهية لكل باحث أن يتلمس ما قدمته هذه المؤسسة على صعيد العمل على تنظيم الفئات الاجتماعية في مناطق الأرياف فجمعيات التوفير والتسليف وتنمية المرأة الريفية وتنمية الشباب واتحادات المزارعين كلها شواهد على الأثر المجتمعي الذي صنعته الإغاثة الزراعية.
كما ولم تتخلى الإغاثة الزراعية أبدا عن طابعها وجوهرها الوطني-- الذي ظل حاضرا في كل برامجها-- فكانت المساهمة وفي وقت مبكر بتشكيل لجان الدفاع عن الأراضي، وكانت من أولى المبادرين لتشكيل اللجان الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري، ووجهت جماهيرها الغفيرة لمعارك النضال الوطني، وقادت حملات لا تحصى ضد الاحتلال والاستيطان والطرق الالتفافية والجدار.. وعملت وعبر علاقاتها الدولية وأصدقائها المنتشرين في مختلف دول العالم على تعظيم حملات التضامن الدولية مع شعبنا وقضاياه العادلة..
ولم تنسى طوال حياتها طابعها الجماهيري والتزامها تجاه فئاتها المستهدفة، فانخرطت في مقدمة الصفوف لتثقيف الجماهير وتعبئتها وتدريبها، وتنظيمها في اطر ومؤسسات قاعدية واتحادات وطنية، لتدافع بشكل أفضل عن مصالحها، كما وبذلت جهودا جبارة لتامين حياة كريمة للسكان يتحسن فيها مستوى معيشتهم وترتفع فيها أيضا مستويات دخولهم، وتميزت في صدقها في محاربة الفقر والبطالة والتعصب والتزمت، ومنادية بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية،وبالنزاهة والشفافية، ورافضة للفساد والفوضى وغياب القانون والتعدي على الحريات.. كل ذلك سعيا منها لبناء مجتمع فلسطيني ديمقراطي حر، ولبناء قاعدة مجتمعية تشكل أرضية خصبة لبناء حركة اجتماعية، تعمل من اجل إحداث التغيير في مجتمعنا الفلسطيني نحو الأفضل والأنجع لشعبنا.
ومع الإرث الكبير الذي يزخر به تاريخ الإغاثة الزراعية، فان طموحاتها المستقبلية هي اكبر من ذلك بكثير، وهي تعكف حاليا على وضع خططها الإستراتيجية للسنوات القادمة، مقيمة لتجربتها، ومحللة للواقع بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والأمنية، ومتحفزة لمواجهة كل الاحتمالات التي قد تؤثر على هذا الواقع في المستقبل، واضعة نصب أعينها جملة من الأهداف-- في مقدمتها زيادة الإسهام في توفير الأمن الغذائي لسكان الأرياف، وتكثيف الجهود لبناء قدرات فئاتها المستهدفة-- وقدرات المؤسسات التي تنظم هذه الفئات، وتعظيم الدور الوطني والمجتمعي الذي تقوم به المؤسسة والحرص على تحقيق الأثر لهذا الدور.
مخيم الفارعة