الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 20 / مايو 12:02

المصحف أعلى وأغلى/ بقلم: سليمان جودة

كل العرب
نُشر: 29/11/14 07:59,  حُتلن: 08:03

سليمان جودة في مقاله:

المصحف.. هذا القرآن الكريم لم ينزل من السماء ليرفعه مسلمون في المعارك

المصحف كتاب مقدس لا يجوز أن يجرى توظيفه في معركة كانت الأهداف فيها دنيوية بامتياز!

السؤال هو: متى كانت المرة الأولى التي تم فيها رفع المصحف الشريف على أيدي مسلمين في معركة سياسية؟!
إذا كانت الإجابة على هذا السؤال مهمة، فأهم منها أن نعرف جواباً على سؤال آخر هو: كيف جاء مصير الذين لم يراعوا قدسية المصحف، وأرادوا أن يوظفوه لأهداف دنيوية مجردة في تلك المرة؟!

أما المرة الأولى فكانت في منتصف القرن الهجري الأول، تقريباً، عندما مات الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان، مقتولاً على أيدي عدد ممن خرجوا عليه في تلك الأيام.

وقتها كان الإمام علي بن أبى طالب - كرّم الله وجهه - على موعد مع الحكم، وقد بايعه المسلمون في الجزيرة العربية وفي خارجها فعلاً، لولا أن معاوية بن أبي سفيان، حاكم منطقة الشام، رفض الاعتراف بالإمام على، وراح ينازعه في أمور الحكم والسلطة.

ولم يكن هناك بدٌ من أن يخرج إليه الإمام، ليعيده إلى رشده بالقوة، وخرج إليه على رأس جيش كبير، قيل في بعض الروايات إنه كان من مائة ألف جندي!

التقى الجيشان في معركة صفين الشهيرة في التاريخ الإسلامي، ودار بينهما قتال شديد، وحين بدا لأنصار الإمام على أنهم على وشك الهزيمة، رفعوا المصحف مطالبين بتحكيمه فيما بينهم وبين جيش معاوية.. وتوقف القتال بالفعل ليبدأ التحكيم الذي اشتهر هو الآخر في تاريخنا الإسلامي، وكان أن اختار رجال الإمام، الصحابي أبو موسى الأشعري، ليمثل جيشهم في التحكيم، مقابل عمرو بن العاص، الذى اختاره معاوية، ممثلاً له في العملية نفسها!

طبعاً.. نعرف أن عمرو بدهائه المعروف عنه قد خدع الأشعري، بما جعل التحكيم في النهاية يُثبِّت معاوية في الحكم ويخلع على بن أبي طالب!

وبصرف النظر عن تفاصيل ما جرى بين الاثنين من خداع، ومن دهاء، ومن مكر، خصوصاً من جانب عمرو، إلا أن اللافت للانتباه أن الهزيمة كانت من نصيب أنصار الإمام علي، لا لشيء في تقديري، سوى أن الله تعالى قد أراد أن يعاقبهم على أنهم أدخلوا كتابه الكريم فيما كان يجب أن يرتفعوا به عنه، وفيما كان يجب أن يجنبوه إياه، ككتاب مقدس، لا يجوز أن يجرى توظيفه في معركة كانت الأهداف فيها دنيوية بامتياز!

المصحف.. هذا القرآن الكريم لم ينزل من السماء ليرفعه مسلمون في المعارك، في القرن الأول من الهجرة، ولا ليأتي مسلمون آخرون ليرفعوه هو نفسه، في القرن الخامس عشر من الهجرة، وفي القرن الحادى والعشرين من الميلاد بالسواء!

لا.. لم ينزل من عند خالق الكون ليكون أداة هكذا لتحقيق أغراض في السلطة أو في الحكم، وإنما نزل لنتدبر ما فيه أولاً، ولنستمتع بالجمال الذي يملأ معانيه، منذ أول سورة فيه إلى آخر سورة، ثم لنعمل قدر إمكاننا بما أُمرنا به في آياته جميعاً.

أما أن يأتى اليوم أو أمس، أو يأتي في الغد من يقحمه فيما لا يليق إقحامه فيه، فمصير من يتجاسر على ذلك لن يختلف بحال من الأحوال عن مصير مسلمين آخرين سبقوه.

المصحف أعلى ثم أغلى من العبث الإخواني، ومن العبث غير الإخواني، والذين يريدون مكاسب الدنيا عليهم أن يذهبوا إليها مباشرة دون أن يكون القرآن ستاراً لهدف على هذا المستوى.

نقلا عن "المصري اليوم"

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة