للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
القاضي أحمد ناطور في مقاله:
القانون في الدول التي تحترم نفسها لا يميز بين المعتقلين اما هنا فالامر ليس مع الدنيا سواء
التخوف الحقيقي من اقدام المحققين على استخدام سبل تعذيب غير مشروعة وارد في سياق التهم الأمنية والمعتقلين الفلسطينيين خاصة لا في سياق التهم الجنائية العادية، وذلك بسبب الاعتبارات العنصرية المنفلتة والعداوة الشرسة ومشاعر الكره وغرائز الانتقام
معلوم أن القانون الدولي يمنع تعذيب المشبوهين اثناء التحقيق مهما كانت ظروف التحقيق ملحة طارئة ومع أن هذا يلزم الدول كافة حتى تلك التي لم توقع عليه فقد وقعت إسرائيل على المعاهدة الدولية ضد التعذيب، وصادقت عليها مع ذلك فانه ليس في تشريعاتها ما يمنع التعذيب بشكل صريح مباشر
معلوم أن القانون الدولي يمنع تعذيب المشبوهين اثناء التحقيق، مهما كانت ظروف التحقيق ملحة طارئة. ومع أن هذا يلزم الدول كافة حتى تلك التي لم توقع عليه، فقد وقعت إسرائيل على المعاهدة الدولية ضد التعذيب، وصادقت عليها، مع ذلك فانه ليس في تشريعاتها ما يمنع التعذيب بشكل صريح مباشر.
ومع أنّ المحكمة العليا بهيأة تسعة من قضاتها قد اتخذت قرارا مبدئيا يوم 6.9.1999 من خلال التماس 510094 اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب وآخرون ضد حكومة إسرائيل واخرين، يمنع جهاز المخابرات من تعذيب المعتقلين الفلسطينيين أثناء التحقيق فقال انه ليس لدى الشاباك صلاحية هز المعتقل واجباره على الجلوس القرفصاء – على هيئة ضفدع، ومنعه من النوم، إلا أن تقريرا قد صدر بعد عشر سنوات من صدور هذا القرار عن اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب فافاد أن الجهاز القضائي وبعض القائمين عليه يشاركون في عملية التغاضي وغض النظر عن أساليب التعذيب الوحشية المستخدمة ضد المعتقلين الفلسطينيين. لقد قال التقرير ان ستمئة شكوى قد قدمت في السنوات التسع التي تلت القرار المذكور ضد محققي المخابرات، إلا أنّ المستشار القضائي للحكومة - بصفته نائبا عاما، لم يُحِل واحدة منها الى التحقيق أمام الوحدة المخولة بالتحقيق مع الشرطة. معناه أن اذرع الدولة نفسها تحبط عن وعي ودراية إمكانية التحقيق في الشكاوي ضد افراد المخابرات، خاصة وان المحكمة العليا نفسها قد عادت يوم 6.8.2012 لتقرر انه ليس كل شكوى ضد افراد المخابرات ينبغي إجراءالتحقيق فيها. ورغم ان قرار المحكمة العليا منذ ستة عشر عاما قد فندَّ ادعاء الدولة بأنّ "الضرورة" او ما اسموه "القنبلة الموقوتة"، تبرر للمحققين إستخدام وسائل التعذيب فان الحبل بقي على الغارب حيث جعل المحققون لانفسهم الحق في اعتبار ما يرون من الحالات كحالات ضرورة.
لقد قال القرار يومها أن الامر المطروح هنا هو ليس ما اذا كانت الضرورة تشكل دفاعا مقبولا عن المحقق في حال استخدامه وسائل التعذيب للضرورة، وإنما المسألة هي ما اذا كانت الضرورة تضيف صلاحية للمحقق باستخدام سبل التعذيب هذه، والإجابة على هذه المسألة سلبية. اما بالنسبة للمسالة الأولى وهي مسؤولية المحقق الجنائية، فقد قالت المحكمة أن "الضرورة" تسقط المسؤولية الجنائية وهذا بطبيعة الحال امر مستهجن، حيث ألغى هذا القول الأبعاد العملية لقول المحكمة العليا السابق بان الضرورة لا تكسب صلاحية التعذيب، إضافة الى الى انه يعفي المحقق من مغبة ما يرتكب من جرائم بحق المعتقل.
مع ذلك، فان اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب قد أفادت أن جهاز المخابرات لا يطبق حتى القليل مما اتى به قرار المحكمة العليا ، بل نهج على إصدار الاذن بالتعذيب بشكل منهجي.
ولمن لا يدري، فانه قد يحسن بنا أن نبين أن مشاركة المشرع في حماية المحققين في مثل هذه الأحوال كانت ولا تزال مشاركة فاعلة وتبرز واضحة جلية في نقاط عدة منها: عدم الإفصاح عن هوية المحقق - وهو نهج قد بدأ به جهاز المخابرات منذ بداية الاحتلال. فبدلا من ابراز اسم المحقق الحقيقي على صدره، يستخدم المحقق كنية ككابتين جورج، كابتن ماهر، كولونيل أبو نعيم وهكذا. اما نهج الحماية الثاني فهو اعفاؤه من التسجيل الصوتي لمجريات التحقيق، وكذلك من التصوير، مع العلم أنّ قانون أصول المحاكمات الجنائية (التحقيق مع المشبوهين) لسنة 2002 يقضي بضرورة توثيق التحقيق بالفيديو، وذلك حماية لحقوق المشبوه اذا كانت عقوبة التهمة الجنائية عشر سنوات من الحبس او يزيد.
اما في حال محققي المخابرات، فقد اعفى المشرع هؤلاء من واجب التوثيق المصور للتحقيقات الجارية ضد مشبوهين امنيين، اما الحماية الأخرى الممنوحة للمحققين فهي إمكانية عزل المشبوه عن العالم تماما، بما في ذلك منعه من مقابلة محاميه، وذلك على مدى أيام واسابيع، الامر الذي يشكل ضغطا نفسيا هائلا عليه، الى جانب تجنب ان يراه أي احد، وهو في أحوال جسدية او نفسية من الممكن ان تكون نتيجة لافعال مخالفة للقانون، اما الحماية التي لا تقل أهمية عن كل ما سبق، فهي عدم الشروع بالتحقيق في أي من الشكاوى المقدمة ضد المحققين.
لقد جاء في تقرير لصحيفة هآرتس (في 6.3.2015) ان هناك ارتفاعا حادا في حالات تعذيب المعتقلين الفلسطينيين لدى جهاز المخابرات، وان عشرين على الأقل من هذه الحالات كانت حالات عنيفة وان وسائل التحقيق قد شملت الربط والهز الارتجاجي. في النصف الثاني من 2014 قدمت 19 شكوى بشأن منع النوم، 12 بشأن الضرب والتنكيل، 18 بشأن الربط على الكرسي و12 بشان الهز الارتجاجي. أما في السنة كلها فقد قدمت 59 شكوى.
مع ذلك ومع ان هذه الأفعال تخالف كلها مبادئ القانون الدولي، فقد أضافت حكومة الشؤم هذه ضغثا على ابالة حين وزعت هذا الأسبوع مشروع قانون أصول المحاكمات الجنائية (التحقيق مع المشبوهين) (تعديل – التحقيق مع المشبوهين في جرائم امنية ) 2012/11-2015، الذي يقضي بجعل الاعفاء المؤقت من توثيق التحقيقات بالصورة اعفاءا دائما، معناه ان ما يجري في الزنزانة يبقى سرا دفينا بين جدرانها، فلا رقيب ولا حسيب!
انه لمن نافل القول ان يشار الى ان تصوير التحقيق يشكل اداة رقابة فاعلة في رصد مجريات التحقيق ويمنع المحققين من استخدام سبل محظورة ضد المحقق معه، إضافة الى تمكين المحكمة من الوقوف على طريقة ابتزاز الاعتراف منه، خاصة وان جهاز الامن قادر على منع تواصل المعتقل مع العالم الخارجي عامة، ومع محاميه خاصة ان التصوير ببساطة يضع حدا لكذب المحققين امام المحكمة بل ويمنعهم من التعسف والاجرام.
ان القانون في الدول التي تحترم نفسها لا يميز بين المعتقلين، اما هنا فالامر ليس مع الدنيا سواء . هذا، وما دام المشرع ذاته قد ارتاى أن يلزم الشرطة منذ سنة 2002 بوجوب توثيق التحقيقات بالصوت والصورة حماية لحقوق الناس الأساس، فلماذا لا يسري هذا على ما يسمى بالمحققين الامنيين أيضا ؟ أي تفسير لاستثناء القانون الشبهات الأمنية في نصه، سوى ان ضحاياه هم من العرب، والعرب في هذا السياق لا يعاملون كما يعامل سائر الخلق .
ان التخوف الحقيقي من اقدام المحققين على استخدام سبل تعذيب غير مشروعة وارد في سياق التهم الأمنية والمعتقلين الفلسطينيين خاصة، لا في سياق التهم الجنائية العادية، وذلك بسبب الاعتبارات العنصرية المنفلتة والعداوة الشرسة ومشاعر الكره وغرائز الانتقام . لذلك فان مشروع القانون هذا، لا يجوز ان يشرع في دولة قد وقعت على الالتزام بحماية المعتقلين من التعذيب، خاصة وانها تعلم تماما ان التعذيب والتنكيل في هذه الأحوال ليس احتمالا فحسب بل هو واقع يفوق اليقين.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net