الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 00:01

أيّة شرطة للعرب؟!/ بقلم: أمنون بئيري سوليتسيانو

كل العرب
نُشر: 27/02/16 17:16,  حُتلن: 07:43

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أمنون بئيري سوليتسيانو في مقاله:

أنتج الوجه الأمنيّ للشرطة انعدامًا حادًّا للثقة في الشرطة من قِبَل المواطنين العرب الأمر الذي يلحق الضرر بعمل الشرطة الذي يتطلّب الثقة والتعاون من قِبَل المجتمع

على قيادات الشرطة استدخال أنّ الشرعيّة والثقة هما شرطان مسبقان للإنفاذ الفعّال فوق كلّ هذا ينبغي عليها الاعتراف والتعامل بشجاعة مع التحدّيات الهائلة في علاقات الشرطة والأقلّيّة العربيّة في ظل ازدواجيّة الأدوار: الخدماتيّ والأمنيّ

في تطرّقه للخطّة الاقتصاديّة الكبيرة للمجتمع العربيّ، خلال جلسة الحكومة في العاشر من كانون الثاني، اشترط رئيس الحكومة تطبيق الخطّة بتعزيز إنفاذ قوانين الدولة في البلدات العربيّة. وبالفعل، بعد أسبوعين علمنا أنّ الشرطة تعمل على إقامة وحدة خاصّة تتولّى مَهَمّة تطبيق إنفاذ القوانين في البلدات العربيّة، وإقامة مراكز للشرطة هناك، وتجنيد عرب للشرطة، ومعالجة القضايا المُلحّة للسلاح غير القانونيّ، وحوادث السير العديدة، والبناء غير المُرخّص، وغيرها.

فضلًا عن عدم الارتياح الأساسيّ من مجرّد فكرة إقامة وحدة شرطة للتعامل من قطاع معيّن تتنافى مع الروح الأساسيّة لمفهوم حفظ النظام العامّ الذي يُفترض أن يكون نزيهًا ومصابًا "بعمى الألوان"، فإنّ مثل هذه الوحدة لن تتعامل حقًّا مع مشاكل حفظ النظام العامّ في المجتمع العربيّ؛ وذلك أنّ المسألة ليست تنظيميّة تكتيكيّة تتعلّق بمبنى الشرطة، بل هي مسألة فشل تصوّريّ إستراتيجيّ عميق.

مصدر هذا الفشل هو ازدواجيّة الأدوار البنيويّة. فالشرطة التي يُتوقّع منها خدمة المجتمع وتحسين أوضاعه، والتعاون معه، هي في ذات الوقت قوّة مسلّحة تقوم بدور أمنيّ تجاه المواطنين العرب الذين تعتبرهم كتهديد.

هذا التناقض بين "ضبط النظام الخدماتيّ" وَ "الإنفاذ الأمنيّ" يتجسّد حتّى بشكل بصريّ مرئيّ: خدمات الشرطة "الكلاسيكيّة" ينفّذها رجال شرطة يحملون المسدّسات، مكشوفو الوجه، يرتدون الزيّ الأزرق ويحملون شارات مع أسمائهم. هؤلاء يُستبدَلون بسرعة بأفراد شرطة حرس الحدود أو أفراد شرطة "الياسام" (وحدة الدوريّات الخاصّة) المدجّجون بالسلاح، يرتدون الزيّ الداكن، ويكونون أحيانًا ملثّمين وبدون شارة الاسم.

هذه الازدواجيّة في الأدوار لا تتيح للشرطة رؤية المواطنين العرب كزبائن شرعيّين لضبط النظام الأفضل والخدماتيّ. لذلك، نحن نشهد منذ عشرات السنين عمليّة "ضبط نظام منقوصة" على نحوٍ حادّ في المجتمع العربيّ، تتجسّد بفجوات هائلة في موارد ضبط النظام المخصَّصة للبلدات العربيّة مقارنة بالبلدات اليهوديّة. حضور الشرطة هناك ضئيل، ومعالجة ظاهرة الإجرام والعنف -التي تحوّلت إلى آفة حقيقيّة في المجتمع العربيّ- غير كافية، وتمتاز بنسبة عالية من عدم حلّ العديد من الجرائم.

لقد أنتج الوجه الأمنيّ للشرطة، إضافة إلى إهمال ضبط النظام على مدار السنين، انعدامًا حادًّا للثقة في الشرطة من قِبَل المواطنين العرب، الأمر الذي يلحق الضرر بعمل الشرطة الذي يتطلّب الثقة والتعاون من قِبَل المجتمع بغية النجاح في مكافحة الجريمة. ليس لدى الشرطة الإسرائيليّة أيّ فرصة لنيل ثقة المواطنين العرب والنجاح في مَهمّاتها طالما استمرّت في العمل، ويُتعامل معها، كجهاز أمنيّ في المجتمع العربيّ.

يتناول تقرير لجنة أور التي حقّقت في أحداث أكتوبر عام 2000 هذه الإشكاليّة الأساسيّة. بعد نحو عقد من نشر تقرير أور، وفي السنوات 2004-2014، اتّخذت الشرطة سلسلة من التدابير الرامية إلى تحسين الخدمات وكسب ثقة المجتمع العربيّ؛ عقدت سلسلة من أنشطة التدريب المتنوّعة في موضوع "ضبط النظام بنزاهة في مجتمع متصدّع" لأفراد الشرطة والضبّاط؛ ممارسات التباحث المتواصل بين قيادات مراكز الشرطة ورؤساء سلطات محلّيّة وقيادات مجتمعيّة؛ تعيين ناطقة باسم الشرطة للإعلام العربيّ؛ ترجمة موادّ إعلاميّة إلى اللغة العربيّة وغيرها. العديد من هذه الإجراءات كانت بتشجيع ومساعدة من "مبادرات صندوق إبراهيم" التي، بالتوازي مع عملها مع الشرطة، عملت على نطاق واسع وعميق في المجتمع بالتعاون مع قيادات سياسيّة عربيّة بغية تشجيع المطالبة بخدمات شُرطيّة ناجعة ونزيهة وتعزيز الفهم أنّ الخدمات الشرطيّة التي تحقّق الأمنَ الشخصيّ هي حقّ مدنيّ أساسيّ.

لقد أثمرت هذه الإجراءات. ففي مجال التوتّر البنيويّ القائم بين الخدماتِ الشُرطيّة القائمة على خدمة المجتمع، والإنفاذِ الأمنيّ الصارم، طرأ خلال نحو عَقد بعضُ التحسّن لصالح ضبط النظام الخدماتيّ، انعكس في التباحث المتواصل بين الشرطة وقيادات عربيّة خلال فترات التوتّر، وفي بعض الاستعدادات الذكيّة والأكثر حسّاسيّة من قِبل الشرطة في تعاملها مع المظاهرات، وفي انخفاض عدد المصابين العرب خلال الالتقاء مع الشرطة وارتفاع درجة استعداد الجماهير العربيّة للتعاون من أجل تحسين أوضاعها.

في المجتمع العربيّ، أنتج الإدراك أنّه لا يمكن معالجة العنف والجريمة المنتشرة بدون الشرطة المقولةَ "ليس لدينا شرطة أخرى" التي تحولت إلى مقولة شائعة ومقبولة. في استطلاع المواقف الذي أجرته جمعيّة صندوق إبراهيم عام 2014 في المجتمع العربيّ، أفاد 46% من المستطلَعين أنّهم على استعداد للمشاركة في لقاءات مع الشرطة لمناقشة مكافحة الجريمة في مناطق سكنهم؛ 56.5% قالوا إنّهم على استعداد لتنظيم فعّاليّات مجتمعيّة لمكافحة الجريمة أو المشاركة فيها. قبل ذلك بخمس سنوات، لم تتعامل مع التباحث مع الشرطة كمسألة شرعيّة إلّا قلّة قليلة.

لكن في الفترة الأخيرة تظهر نزعة عكسيّة. فمع اقتراب نهاية فترة ولايته، قرّر مفتّش الشرطة العامّ دنيونو عدم مواصلة تدريبات الشرطة في موضوع الخدمات الشُرطيّة النزيهة للمجتمع العربيّ. كذلك إنّ موجة العمليّات الحاليّة تُفاقم الأمر. فانشغال الشرطة المتواصل في العمل الأمنيّ يؤثّر على طريقة تفكير وسلوكيّات الشرطة؛ من أفراد شرطة إلى محاربين. التقدير العالي المرتبط بالانشغال الأمنيّ، وحقيقة أنّ الشرطيّ الذي يهجم على منفّذ العمليّة رافعّا مسدّسه يُعتبر بطلًا، بينما يلاحَظ التراجع في صورة الشرطيّ العاديّ الذي يتعامل مع مخالفات السير أو العنف الأسريّ، ذاك كلّه ينتج محفّزات سلبيّة إضافة إلى مسألة الخدمات الشرطيّة الزرقاء. ويمكن الافتراض أنّه كلّما استمرّت موجة العمليّات الحاليّة، ترسّخت أنماط تفكير وعمل شبه عسكريّة سيكون من الصعب تغييرها عندما تعود الشرطة إلى النمط الخدماتيّ.

التصوّر العسكريّ للخدمات الشرطيّة يتعاظم أيضًا بسبب تغييرات وتعديلات المناصب في الشرطة. فبعد سلسلة من مفتّشي الشرطة الذين نشأوا على التصوّر أنّ الخدمات الشُرطيّة هي مهنيّة بحدّ ذاتها، عُيِّن مفتّش عامّ أشغل سابقًا منصب رئيس المخابرات العامّة ("الشاباك"). وعُيّن مساعده الأوّل، نائب المفتّش العامّ، الذي كسب جلّ شهرته المهنيّة بكونه قائدًا لوحدة مكافحة الإرهاب. ليس من مقولة أقوى من تعيين هذين الشخصين بخصوص الكيفيّة التي تنظر فيها الحكومة إلى دَوْر الشرطة. فتصرُّف الشرطة في قرى المثلّث بعد قضيّة نشأت ملحم، أو في أعقاب هدم البيوت في الطيبّة، يشبه -بل مماثل- التصرّف مع سكّان تحت الاحتلال، أو تصرّف الحكم العسكريّ.
تشكيل وحدة جديدة للتعامل مع المجتمع العربيّ ليس هو الحلّ للفشل الذي ذكرناه آنفًا. ينبغي على قيادات الشرطة الإدراك أنّ مَهمّتها الأساسيّة في المجتمع العربيّ هي التطبيق المنهجيّ لممارسات ضبط النظام المتساوي والنزيه، من خلال التعاون مع المجتمع العربيّ وتقديم التقارير. على قيادات الشرطة استدخال أنّ الشرعيّة والثقة هما شرطان مسبقان للإنفاذ الفعّال. فوق كلّ هذا، ينبغي عليها الاعتراف والتعامل بشجاعة مع التحدّيات الهائلة في علاقات الشرطة والأقلّيّة العربيّة في ظل ازدواجيّة الأدوار: الخدماتيّ والأمنيّ. عليها القيام بكلّ هذه الأمور إلى أن تحين الفرصة التاريخيّة لتحرير الشرطة من الدور الأمنيّ، الأمر الذي سيتيح لها التوقّف عن لعب دَور في الشرخ اليهوديّ العربيّ والتحوّل إلى شرطة سويّة وعاديّة.

كاتب المقال هو مدير مشارك في جمعيّة مبادرات صندوق إبراهيم من أجل التعزيز والدمج والمساواة بين اليهود والعرب في إسرائيل

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة