الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 08:02

قراءة في انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي/ بقلم: المحامي محمد أبو ريا

كل العرب
نُشر: 25/06/16 14:37,  حُتلن: 08:07

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

المحامي محمد أبو ريا في مقاله:

أحجار الدومينو بدأت بالانهيار ويساعدها في ذلك صعود اليمين الأوروبي الذي يتغذى على كراهية المهاجرين وما يُسمى بمكافحة الإرهاب

الهروب البريطاني من سفينة الاتحاد الأوروبي سيكلّف بريطانيا الثمن الباهض خاصة عندما فتحت شهية سكوتلند للانفصال عن المملكة المتحدة

لو كان الأوروبيون حكماء لعوّضوا خسارتهم بريطانيا بتسريع ضم تركيا للاتحاد الأوروبي بيد أن قيام الاتحاد على أسس دينية ولون البشرة البيضاء لا يمكنهم من ذلك

أعتقد أن الزلزال الذي أصاب الاتحاد الأوروبي بقرار انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، حدث لا يُضاهى من حيث القيمة والتأثير والمضاعفات على الخارطة الجيوسياسية العالمية، فهو بحجم حرب عالمية، وربما يؤسس لحرب عالمية قادمة تقرع الأبواب، وربما هو بحجم سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين، وربما وربما، ولكن الشيء الأكيد، أنه مفصلي في التاريخ العالمي، الذي سيختلف بالضرورة عما كان قبل اتخاذ هذا القرار.

وجدير بادئ ذي بدء إلى أن أٌنوّه، إلى أن قرار الانفصال البريطاني لم يأت فجأة، وإنما ينبع من خوف المجتمع البريطاني من الهجرة الجماعية"Exodus"،التي أحدثها الربيع العربي باتجاه القارة العجوز، والتي بدأت تُثقل على دول الاتحاد، وتبشِّر بأزمات جديدة اقتصادية وديموغرافية تهدد بتغييرات جذرية على هوية أوروبا، لذا جاء القرار البريطاني لإنقاذ المملكة المتحدة، بينما على أرض الواقع، سيكون قاتلا لها على المدى البعيد.

وللحقيقة والتاريخ كذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، يدفعان اليوم ثمن الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد، وخاصة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، في دعم الولايات المتحدة في احتلال العراق، وما نتج عن ذلك من قيام الدولة الإسلامية(داعش) وتفجُّر الربيع العربي والهجرة الجماعية لدول الاتحاد وتفشي "الإرهاب" كردة فعل على كل ما حدث.

بكلمات أخرى، ولقصر نظر دول الاتحاد الأوروبي، ودعمها غير المشروط للولايات المتحدة في احتلال العراق لأجل أمن وأمان كيان الأبرتهايد، يدفع اليوم الاتحاد الأوروبي الثمن، وعلى رأسه بريطانيا التي أقرت الانفصال لخوفها ورعبها من التغييرات القادمة التي تهدد القارة، والتي تكمن أصولها في احتلال الولايات المتحدة للعراق، والانسحاب منه لاحقا وتسليمه لإيران.

بيد أن الهروب البريطاني من سفينة الاتحاد الأوروبي، سيكلّف بريطانيا الثمن الباهض، خاصة عندما فتحت شهية سكوتلند للانفصال عن المملكة المتحدة، وكذلك مقاطعة ويلز، لدرجة أن طالب اليوم الآلاف عمدة لندن، الإعلان عن دولة لندن، بكلمات أخرى فإن المملكة المتحدة، التي لم تغب الشمس عن حدودها التاريخية ستنكمش وستتفتت وتتحول لعدة دول. كذلك الأمر في باقي دول الاتحاد الأوروبي التي ستحاول بعضها الانفصال، بل وبعض مقاطعات بعض الدول الانفصال عن الدولة الأم كما كتالونيا في أسبانيا. باختصار شديد، بدأت أحجار الدومينو بالانهيار، ويساعدها في ذلك صعود اليمين الأوروبي الذي يتغذى على كراهية المهاجرين وما يُسمى بمكافحة الإرهاب.

وعلى الصعيد الجيوسياسي، فسينعكس الأمر على الناتو ونشر قواته في شرق أوروبا، وسيزيد امر الانفصال البريطاني من تعنت بوتين في مواجهة نشر القوات، لنعود من جديد لفترة الحرب الباردة، كذلك فإنني لا أستبعد أن تخسر بريطانيا مقعدها الدائم في مجلس الأمن بعد أن تضعف وتتفتت في السنوات القادمة. باختصار سنشهد عالما جديدا يبلور قواعد لعبة سياسية جديدة

ولو كان الأوروبيون حكماء لعوّضوا خسارتهم بريطانيا بتسريع ضم تركيا للاتحاد الأوروبي، بيد أن قيام الاتحاد على أسس دينية ولون البشرة البيضاء لا يمكنهم من ذلك.

وأتوقع أن يعاني من الآن فصاعدا المهاجرون والمسلمون أكثر من غيرهم في دول الاتحاد، التي يتوجس أهلها الأوروبيون خيفة منهم، خاصة في ضوء تحريض اليمين الأوروبي عليهم، وإذا ما تصاعد الأمر، فإنني لا أستثني نشوب صراع ديني وحضاري بين المسلمين ودول أوروبا، تبدو بداياته الآن مرعبة بكل المقاييس.

أما على الصعيد العربي، فإن قرار الانسحاب البريطاني، وما نتج عنه من استقالة ديفيد كاميرون رئيس الوزراء، الذي كان مع البقاء ضمن الاتحاد، بيد أن حزبه حزب المحافظين صوّت ضد رغبته، فإن ذلك يشكل درسا لكل الذين يؤيدون أنظمة الاستبداد والفاشية، التي دمّرت البلاد وقتلت العباد، بينما ما زالت تتمسك بالسطلة، بينما يستقيل ديفيد كاميرون لمجرد خسارته في الاستفتاء، من منطلق انه لا يليق ليكون ربانا للسفينة كما جاء في خطاب استقالته، بينما يصلح الرؤساء العرب وأبنائهم وأحفاد أحفادهم لقيادة أبدية لهذه الأمة.

وأخيرا فإن السنوات القادمة كفيلة بإعادة المملكة المتحدة لحدودها الطبيعة التي لا تتجاوز إنجلترا بعد تفتت المملكة، وكفيلة بنقل عدوى الانفصال لدول عالمية أخرى غير الاتحاد الأوروبي، وربما تكون روسيا والولايات المتحدة من أوائل هذه الدول التي ستتعرض للتفتت، وعلى رأسها كاليفورنيا التي تهدد منذ عقود، لكونها تتحمل العبء الاقتصادي في صمود الكثير من الولايات الأميركية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة