الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 03:01

التهجير القسري في سورية/ بقلم: رياض نعسان أغا

كل العرب
نُشر: 03/09/16 08:26,  حُتلن: 08:27

رياض نعسان أغا في مقاله:

لكن الهجرة الأكبر التي تشكل عمق المأساة السورية هي هجرة ما قد يزيد على اثني عشر مليون سوري أكثرهم من أهل السنة الذين سيصبحون أقلية في سورية إذا استمر هذا النزوح

ما يحدث هو ترسيخ لخطة خفية للتقسيم بحيث تفرغ سورية (المفيدة) من المعارضين ويحشر كل الذين طلبوا الحرية والكرامة في إمارة دينية يتم حصارها من العالم كله

يصر النظام السوري على تهجير السكان الأصليين للمدن والقرى التي يحاصرها ويقصفها ويهدم منازلها ويقتل أهلها منذ نحو خمس سنوات حتى تضطر أن تخضع وتذعن لما يسميه المصالحات، كما حدث مؤخرًا في داريا، وكما يحدث في المعضمية وحي الوعر الحمصي، وقد جرت عملية التهجير سابقًا في حمص وفي الزبداني وفي العديد من المناطق السورية التي تعرضت لحصار شديد شاركت فيه قوى الاحتلال الإيراني وميليشيات طائفية لبنانية وعراقية وأفغانية. وقبل عام ونيف عرضت إيران تغييرًا ديموغرافيًا بين منطقة الزبداني وبين قرى شيعية تقع قرب مدينة إدلب (الفوعة وكفريا)، ورعت الأمم المتحدة اتفاقًا بين إيران وحركة «أحرار الشام» لنقل الجرحى، واليوم يفسر أكثر السوريين ما يحدث بأنه خطة للنظام تهدف إلى طرد سكان المناطق المحيطة بدمشق ليحل محلهم مستوطنون شيعة يأتون من إيران والعراق وأفغانستان ليتملكوا أراضي وبيوتًا وممتلكات ليست لهم، على غرار ما فعلته إسرائيل حين هجرت السكان الأصليين من الفلسطينيين.

لكن الهجرة الأكبر التي تشكل عمق المأساة السورية هي هجرة ما قد يزيد على اثني عشر مليون سوري، أكثرهم من أهل السنة الذين سيصبحون أقلية في سورية إذا استمر هذا النزوح. أما عمق المأساة فهو هجرة الكفاءات العلمية والتقنية والصناعية وفراغ سورية من طاقاتها الأكاديمية ومن علمائها وأطبائها ومهندسيها من مختلف الشرائح والأديان والمذاهب، وقد هُجّروا رغمًا عنهم خوفًا من الاعتقالات العشوائية ومن براميل الموت الجماعي.
ولا يجد السوريون تفسيرات أبعد من استقراء مفجع لدوافع التهجير القسري والتغيير السكاني، وقد نشط تفسيران أولهما شك في كون النظام يريد تلبية الأغلبية من الموالين الذين أطلقوا على صفحات التواصل الاجتماعي دعوات (مبرمجة) للنظام تطالبه بمحو محافظة إدلب من الخارطة السورية، وتحض على إبادة جماعية، وقد عزز هذا التفسير إصرار النظام على تهجير أهل داريا إلى إدلب بالتزامن مع تصاعد القصف السوري والروسي اليومي على المدنيين في إدلب، وقد استخدمت فيه القنابل العنقودية والفوسفورية والنابالم، وانتشرت صور الضحايا من الأطفال والنساء، لكون الأهداف تنحصر في المدن، وتحديدًا في المنازل والساحات والأسواق، وهي ليست أهدافًا عسكرية.

أما التفسير الآخر عند بعض السوريين فهو أن ما يحدث هو ترسيخ لخطة خفية للتقسيم بحيث تفرغ سورية (المفيدة) من المعارضين، ويحشر كل الذين طلبوا الحرية والكرامة في إمارة دينية يتم حصارها من العالم كله، وتتعرض لقصف من قوى التحالف الدولي ضمن حربه على الإرهاب، وتكون محافظات الشمال «سورية غير المفيدة» لمجرد أنها لا تؤيد النظام، ويظن بعض السوريين أن الطلب من حزب «البي يي دي» بأن يغادر إلى شرق النهر وبعض وسائل الإعلام تدس كلمة «المناطق الكردية» تهميدًا لمنح هذا الحزب إقليمًا يسميه بعضهم «كردستان السورية» متجاهلين وجود العرب وسواهم من المكونات في المنطقة. ومع أنني لا أرى صواب هذه التفسيرات فإني أشارك كثيرًا من السوريين مخاوفهم من الغموض المبهم الذي بات خفيًا حتى على دول كبرى من مضامين مباحثات واتفاقيات (كيري ولافروف)، ومن هذا الصمت الدولي المريب على ما حدث في داريا وما يحدث في المعضمية والوعر، وعلى خطة النظام بفرض مصالحات قسرية على المناطق الساخنة عبر تخيير سكانها بين الحصار القاتل والإبادة الجماعية وبين القبول بتسليم أنفسهم ومغادرة ديارهم!

إن ما يحدث من فظائع يفتح المستقبل لاحتمالات مزيد من الدمار ومن ارتداداته الإقليمية والدولية، ورغم الشعور العام لدى السوريين بأن الحل السياسي الذي اعتمد على بيان جنيف وعلى القرارات الدولية قد فقد حضوره منذ أن أهملته الدول التي دعت إليه وتمكنت روسيا وإيران من تعطيل فاعليته، فإن بث الحياة فيه هو مسؤولية دول أصدقاء سورية، ونرجو أن يكون إحياؤه موضوع بحثهم في مؤتمر لندن القادم.

نقلًا عن الاتحاد الإماراتية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة