للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
عبدالله راقدي في مقاله:
مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يبقى سببا مهما ومؤثرا في موقف الجزائر تجاه الأزمة السورية، لكن بالمقابل لم تلتزم الجزائر الصمت
نتساؤل هل هي ثورة ربيع حقيقة، واذا كانت كذلك ما الذي حولها إلى الفعل العنفي بدل طابعها السلمي، وجعلها موضع تدخل الكثير من القوى العالمية والاقليمة
أثار تصريح وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي عبر فيه على ارتياح وتهنئة للحكومة السورية على انجازها المتعلق بتحرير مدينة حلب من الإرهاب، تهجم وتنديد من قبل معارض سوري في حصة تلفزيونية مباشرة على قناة جزائرية، كما أثار ردود أفعال عديدة وصلت إلى حد التناقض في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، بل وحتى من قبل بعض متصدري المشهد السياسي في الجزائر، كما هو الحال مع المعارضة الإسلامية التي شجبت موقف الحكومة الجزائرية. هذا التجاذب في المواقف والآراء دفعنا للبحث في مدى صوابية سلوك الدبلوماسية الجزائرية حيال النزاع السوري. وستتم معالجة هذا الموضوع من خلال النقاط التالية.
مصدر الهام الدبلوماسية الجزائرية:
لفهم سلوك وموقف صانع القرار الجزائري تجاه النزاع السوري منذ 2011، يجدر بنا البحث في الأسس والمبادئ التي تحكم مواقف وردود افعال الحكومة الجزائرية. ويبدوا أن تعامل الجزائر مع هذا النزاع كان مؤطرا بشكل أساسي بــ:
أولا: المكاسب الدبلوماسية للثورة التحريرية التي ساهمت في التعريف بالقضية الجزائرية في المحافل الدولية انطلاقا من حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في اختيار نظمها السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وهذا أسس وحدد أحد المعالم الكبرى للتعامل الدبلوماسي للجزائر في علاقاتها الدولية أو تجاه القضايا الدولية لفترة ما بعد الإستعمار. محورها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية إلتزاما ودعما وتكريسا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
ثانيا: الرصيد الثاني يتمثل في المعضلة الأمنية التي مرت بها الجزائر بعد توقيف المسار الإنتخابي في تسعينيات القرن العشرين وما ترتب عنها إنسداد سياسي وركود اقتصادي وأزمات إجتماعية، فضلا على إنتشار وتفاقم ظاهرة الإرهاب. هذا الوضع شكل تهديدا للدولة – الأمة الجزائرية ولدبلوماسيتها وسياستها الخارجية إلى جانب الحصار الغربي الذي لم يدرك حقيقة خطر الإرهاب في الجزائر إلابعد حصول تفجيرات في العواصم الغربية باريس مدريد وصولا إلى اعتداءات 11 سبتمبر2001. وقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا محوريا ومضنيا على المستويين الإقليمي( الجهوي) والقاري والدولي (العالمي)، وكذلك في اطار شبكة من العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف لفك الحصار الإقتصادي والإعلامي والعسكري الذي فرض عليها.
ساعدت تجربة الجزائر صانع القرار على إدراك طبيعة الأزمة ليس فقط في سوريا ولكن في مختلف الدول التي شملتها الأحداث بعد عام 2010. وهذا انطلاقا من فكرة ان ما حدث ويحدث في الدول العربية هو شأن داخلي وبالتالي يتوجب احترام سيادة هذه الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
“ثورة “الربيع السوري”: ممر لتنفيذ مشروع العولمة
في بناء موقف لما يسمى “بالثورة السورية” ووصفها بثورة شعب من أجل قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الإجتماعية وحقوق وكرامة الإنسان السوري ضد الإستبداد والطغيان وفقا لطروحات وأوصاف قوى الغرب بأدواته الإقليمية وبالتوجيه الإعلامي. نتساؤل هل هي ثورة ربيع حقيقة، واذا كانت كذلك ما الذي حولها إلى الفعل العنفي بدل طابعها السلمي، وجعلها موضع تدخل الكثير من القوى العالمية والاقليمة او محل تصارع محوري الولايات المتحدة وروسيا) من أجل إعادة صياغة وتشكيل واقع جيوبلوتيكي جديد.
مهما قيل عن المسئول عن عسكرة الاحتجاج، يظل الخطأ مرتبطا بنخب وقادة المعارضة التي لم تدرك حقيقة تحديات بيئتها الداخلية والإقليمية والعالمية. ويبدو أن التحول نحو الفعل الإرهابي ناتج إما عن قلة ادراك لكي لا نقول إن المعارضة لعبت دور محدد لها سلفا وعن وعي. واذا سلمنا بانها غفلت عن ادراك معطيات الواقع والمحيط فلا يحق لها ان تعلق اخطائها على مشجب غيرها. إنها هذا الاحتجاج اشبه بازهار (ان لم تكن ازهار بلاستيكية) نبتت في صحراء قاحلة فاطمأنت في لحظة ما إلى توفر ظروف الحياة، غير ان قساوة الطبيعة احالتها بعد مدة قصيرة الى سراب.
الدلبوماسية الجزائرية والأزمة السورية: افعل اكثر وتحدث قليلا
تستلهم الدبلوماسية الجزائرية من عمقها التاريخي والمجتمعي مبدأ “العمل اجدى من الكلام،” ومنطق “تريث لا تتكلم لترى.” فتجربتي العمل الدبلوماسية أثناء وبعد الثورة التحريرية المجيدة والجهود الدبلوماسية أثناء عشرية الدم والدمار والضعف بفعل الإرهاب والحصار، فإن وصول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم في الجزائر بخبرته السياسية لعقود في العمل الدبلوماسي وفي أكثر القضايا الدولية تعقيدا ونجاح رهانه حول الوئام المدني والمصالحة الوطنية بعد قانون الرحمة للرئيس اليامين زروال أسهم في التأسيس لقاعدة متينة وصلبة ومستدامة ومتوازنة للعمل الدبلوماسي العقلاني والجيد ويكرس استقلالية القرار السياسي الخارجي وعدم ارتهانه لأية ضغوط خارجية مهما كان حجمها.
إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يبقى سببا مهما ومؤثرا في موقف الجزائر تجاه الأزمة السورية، لكن بالمقابل لم تلتزم الجزائر الصمت، فبعد التريث والمراقبة ودبلوماسية الحذر والحياد يبدو أن الجزائر أدركت أن ما يسمى بـــ “الثورات في سوريا” هي مؤامرة موجهة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وقوى أوروبية كفرنسا وبريطانيا لمشروع شرق أوسط كبير – متجدد – بمعاييرها وتصوراتها، بتوظيف أدوات إقليمية في شكل دول كتركيا وقطر تدعم لوجيستيا وبالمال والسلاح والإرهابيين وبالتحريض الإعلامي لنشر الفوضى الخلاقة وضرب استقرار الدولة السورية كمصلحة مشتركة، على اعتبار سوريا في الفكر الإستراتيجي للغرب خط الدفاع الأول عن مصالح روسيا والصين وايران في منطقة الشرق الأوسط. وأن آخر اهتمامات هذه الدول المحرضة على الإرهاب هو حماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية.
عبرت الجزائر عن موقفها تجاه الأزمة في سوريا بأنها تساند جهود الدولة السورية في محاربة الإرهاب عبر قومي – متعدد الجنسيات – وتشجيع الحوار السوري – السوري لإيجاد مخرج من المأزق السياسي من خلال مصالحة وطنية سورية كإستنساخ لتجربة الجزائر، ودعم جهود الدول الصديقة كروسيا لإعادة الأمن والإستقرار وحماية الوحدة الترابية لسوريا ومنع خطر التفكك وفشل الدولة.
رجع صدى الإرهاب ليس في الجزائر: في تركيا وتونس بداية
انخرطت الحكومة التونسية في فترة حكم الترويكا (تحالف حركة النهضة الاسلامية والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات) في الصراع الدائر في سوريا من أجل إسقاط النظام السوري تحت شعار مساندة ما سمي بالثورة وقوى الثورة. إلى جانب تركيا الحليف الطبيعي للولايات المتحدة الأمريكية والعضو في الحلف الأطلسي. لقد سهلت حركة النهضة في تونس ( الاخوان المسلمون) آنذاك للأفراد التونسيين الراغبين في الإلتحاق بالقتال في سوريا بدعوى الجهاد، وفتحت تركيا (حزب الاخوان) أراضيها كمعبر آمن للسلاح والمال ولعشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب نحو الأراضي السورية، وتولت دول أخرى الدعم الإعلامي واللوجستي والمالي والتسليح على غرار السعودية قطر والامارات.
ويبدو أن المتضرر الأكبر هو تركيا التي استطاعت قبل المأساة السورية أن تكون ضمن أقوى عشرين اقتصاد عالميا، وإلى مستوى صفر مشاكل مع دول الجوار. فبالإضافة إلى الفشل السياسي في سوريا ورهان اسقاط النظام، دخلت بفعل مخرجات الأزمة السورية بعد التدخل الروسي في أزمة داخلية عميقة متعددة الأوجه، أمنيا تعاظم المعضلة الكردية بعد تشكيل الوحدات الكردية المسلحة في سوريا بدعم أمريكي لمقاتلة التنظيمات الإرهابية، وتزايد خطر حركة غولن، والأعمال الإرهابية داخل الأراضي التركية خاصة في اسطنبول، وتراجع الأداء الإقتصادي تدهور الليرة التركية بسبب التضخم. ولعل الأخطر اختراق الجيش والمؤسسات الأمنية من قبل التنظيمات والجماعات المتطرفة التي شكلت حادثة اغتيال السفير الروسي أبرز شاهد لما وصلت إليه تركيا. لقد وظفت تركيا لتلعب دورا في النزاع السوري كما حصل لباكستان في النزاع الافغاني في ثمانينيات القرن العشرين. والأمر كذلك ينسحب على تونس وإن كان بشكل أقل زخما، فهي بالإضافة لبعض الحوادث الإرهابية تعيش مأزق عودة آلاف الإرهابين من مناطق الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
ونخلص بتساؤل، ماذا لو قبلت الجزائر بعرض الدول الداعمة لهذه الجماعات المتطرفة، في تقديري ستكون الفاتورة مكلفة جدا، سيكون الدور عليها وفق منطق “أكلت يوم أكل الثور الابيض”، وتكون في مواجهة لآلاف الارهابيين العائدين من ساحات القتال، وهؤلاء يعدون قنابل موقوتة تشكل خطرا على الأمن الوطني والقومي. والتحدي في تقديري يمكن في ضرورة أن تعمل الحكومة على تحقيق نقلة لمختلف مكونات المجتمع الجزائري بنخبه وتشكيلاته السياسية لتعزيز الوعي والإدارك الضمني عبر الإعلام لأهداف الجزائر الخارجية ورهاناتها وتحدياتها.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net