الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 24 / نوفمبر 02:02

حتى لا تصبح ثورة 25 يناير المصرية مجرد حلم وردي/ بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

كل العرب
نُشر: 27/01/17 15:29,  حُتلن: 07:27

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

إبراهيم عبدالله صرصور في مقاله:

القلق منبعه الخوف من أن تتحول الثورة الى مجرد حلم وردي في تاريخ مصر والأمة لا اكثر

بناء البيت الجديد على أسس جديدة من الحرية الحقيقية والديمقراطية الحقيقة والتنمية الحقيقة معناه فعلا الزوال النهائي لنظام السيد القديم

عالمنا العربي بحاجة ماسة الى تغيير يحرر الوعي والإرادة والقرار العربي من هيمنة قوى الاحتلال الداخلي والخارجي سواء كان سياسيا او ثقافيا

السيسي سيبني منظومة كاملة هدفها تكريس سلطته الغاشمة، وديمومة حكمه إلى ما لا نهاية، وإنْ من منطلق حماية عنقه من عدالة أي نظام يمثل اهداف ثورة يناير الحقيقية

كلما اقترب موعد الذكرى السنوية لثورة 25 كانون ثاني/يناير في مصر، ازداد معها الشعور بالقلق الممزوج بالأمل. اما القلق فمنبعه الخوف من أن تتحول الثورة الى مجرد حلم وردي في تاريخ مصر والأمة لا اكثر، مما يُعتبر رِدَّةً يمكن أن تُدخل المنطقة في نفق مظلم لطالما حلمت بالخروج منه. وأما الأمل فمنبعه هذا الإصرار لدى قوى الثورة بلا استثناء على الاستمرار في حمل شعلة الثورة في مواجهة نظام انقلابي امتهن الاجرام والقتل، رغم الاثمان الباهظة التي تدفعها كوادرها في الداخل والخارج.

لا أستبعد أن نواجه انتقادات من أوساط مختلفة عند قراءة المقالة. منطلق هؤلاء في اغلبه بريء من حيث حرصهم (هكذا يعتقدون) على أن يُوَجه الاهتمام الى قضايانا الداخلية والتي أصبحت تهدد وجودنا، كسياسة الهدم الحكومية (قلنسوة والنقب كنموذج)، والعنف المستشري الذي بات يقضم اساسات قلاعنا الأخلاقية والوطنية.

لن ازيد في مناقشتي لأصحاب النوايا البريئة من المنتقدين، الا الإشارة إلى أن القضايا الداخلية تحظى باهتمام الجميع بلا شك بما فيهم كاتب هذه الكلمات، ولذلك لن يضيرنا أبدا التطرق الى قضايانا القومية والوطنية الكبرى كلما كان الظرف مواتيا. بل على العكس، فالربط بين قضايانا المحلية والأخرى الوطنية أمر ضروري تعزيزا لمفهوم وحدة المصير والمسير من جهة، ولتأثير القضايا بعضها على بعض على المديين القريب والبعيد.

مما لا يختلف عليه اثنان أن عالمنا العربي بحاجة ماسة الى تغيير يحرر الوعي والإرادة والقرار العربي من هيمنة قوى الاحتلال الداخلي والخارجي سواء كان سياسيا او ثقافيا، لمصلحة حالة جديدة تعيش فيها الامة حرة على الحقيقة، منحازة قيادةً وشعوبًا إلى قيمها ومصالحها العليا، وامنها القومي وامانيها الوطنية.

المحاولة التي بدأتها شعوبنا العربية في اكثر من بلد عربي في اتجاه التغيير (ثورات الربيع العربي)، واجهت من أول يوم مؤامرة داخلية (الدولة العميقة) وخارجية (قوى الاستكبار العالمي)، استعملت فيها (الثورة!!) المضادة كل إمكاناتها بما في ذلك القوة العسكرية الغاشمة لوأد ثورات الشعوب والقضاء عليها ووقف مَدِّها ولو إلى حين، خدمة لأنظمة الاستبداد والدكتاتورية (مصر وسوريا كنموذج)، التي شَكَّلَتْ المعيق الرئيس لنهضة الأمة وقيامها واستقلالها الحقيقي.

أمام احتشاد أركان الثورة المضادة، أتابع بقلق كبير الجدل الدائر بين مجموعات القوى الثورية المصرية حول ما يجب عمله استعدادا ليوم 25 كانون أول / يناير القادم. وأكثر ما اقلقني أصوات البعض (وإن كانوا قلة)، المطالب بالاستعداد للمشاركة في انتخابات الرئاسة في منتصف العام 2018، من خلال توحيد الصفوف والاحتشاد الواسع والاتفاق على مرشح واحد تدعمه قوى الثورة، الى غير ذلك من الأوهام.

من الواضح أنّ المضي في هذا الطريق معناه ليس فقط بقاء الانقلاب وتجاهل جرائمه، بل القبول بالانقلاب كأمر واقع، والقبول بقواعد اللعبة التي حددها والتي لن تكون في صالح هدم بيته الذي بناه على دماء واشلاء ودموع المصريين، بل ستساهم في تكريس مفردات الانقلاب العسكري وشرعنته، وإطالة عمره التي قد تصل إلى عمر حكم مبارك الذي قامت الثورة لاقتلاع جذوره على اختلاف امتداداتها طولا وعرضا، وهذه هي الكارثة.

منطلقي في نقاش هذه المسألة هو أن (السيسي) لم يفعل ما فعل، ولم يرتكب ما ارتكب من جرائم في حق مصر إنسانا ووطنا ومؤسسات وحتى دين، وهو ينوي السماح لأحد بإقصائه عن السلطة التي حازها بقوة السلاح. العكس هو الصحيح، سيبني (السيسي) منظومة كاملة هدفها تكريس سلطته الغاشمة، وديمومة حكمه إلى ما لا نهاية، وإنْ من منطلق حماية عنقه من عدالة أي نظام يمثل اهداف ثورة يناير الحقيقية.

واهِمٌ من يظن أن تغييرا يمكن أن يتحقق في مصر من خلال (الرقص على لحن ناي) السيسي ونظامه، واللعب حسب قواعد اللعبة التي حددها، بل اعتبر القبول بذلك انتحارا أخلاقيا وسياسيا بامتياز.

أذَكِّرُ هنا أن واحدا من أسباب نجاح انقلاب صعلوق صغير كالسيسي وعصابته، أن ثورة 25 يناير رضيت ان تدير الشأن المصري بعد تنحي مبارك حسب القواعد التي رسمها والتي من اهم أهدافها الحفاظ على الدولة العميقة انتظارا للحظة الانقضاض على الثورة، وهذا ما حصل بالفعل. ثورة 25 يناير لم تكن ثورة بالقدر الذي مَكَّنَها من اقتلاع نظام مبارك بكل مؤسساته، وليس فقط اسقاط الرأس الحاكم والإبقاء على مؤسساته، الأمر الذي كشف الثورة لمؤامرة ثورةٍ مضادة منذ اليوم الأول انتهت بالانقلاب.

القبول بقواعد اللعبة التي حددها الانقلابي المجرم (السيسي)، معناه أن القوى الثورية لم تتعلم الدرس ولم تستخلص العبرة من تجارب الماضي. فبدل أن تخطط لثورة مصرية عارمة متكاملة بما ذلك الثورة الشعبية، تقتلع نظام السيسي ومعه النظام المصري العسكري الذي تَشَكَّلَ منذ ثورة 52 انتهاء بنظام مبارك والسيسي، تعود بعض قواها الثورية للحديث عن العودة إلى حضن نفس النظام الذي ما زال مصرا على قتلها وسجنها واضطهادها وملاحقة أبنائها وبناتها، وبيع مصر في المزاد العلني.

المطلوب – يا سيداتي وسادتي – ثورة حقيقية تهدم مؤسسات النظام القديم ابتداء من قيادة العسكر والمخابرات والشرطة والاعلام والقضاء إضافة الى المنظومة الحكومية والمحلية، وإقامة مؤسسات جديدة بكوادر جديدة ولاؤها فقط للثورة وأهدافها. بغير ذلك، لن يكون تغيير في مصر ولا في غيرها حتى لو بقينا الف عام نناضل بالكلمة والقصيدة والانشودة، مع تقديري لدورها شرط أن كان جزءا من منظومة شاملة تقف الثورة الشعبية في القلب منها.

الحديث المتكرر عن تراجع شعبية السيسي الى ادنى مستوى، واستمرار الحديث عن تردي الأوضاع في مصر وعلى جميع المستويات، كوسيلة لتوعية الشعب المطحون ودفعه للثورة على جلاديه، أمر مهم. لكن الأهم منه، أن نكون على وعي تام بأن هذا الحديث لن يؤثر في الطغمة الانقلابية، لآن آخر ما تفكر فيه هو الرأي العام واستطلاعات الرأي وأوضاع الشعب. الذي يهم الانقلابيين هو البقاء في السلطة ولو على أنقاض شعب يموت جوعا وقهرا. أما كيف، فهذا أمر هين. تزييف إرادة الشعب، والترتيب لانتخابات صورية كما حدث في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عهد الانقلاب، تدفع بأزلام الانقلاب دون غيرهم إلى مواقع اتخاذ القرار. لماذا تفترض بعض قوى الثورة المطالبة بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية 2018 أن الأمر سيكون مختلفا عما جرى في 2014 وما بعدها، او عن تلك الانتخابات التي جرت في عهد مبارك والذين جاءوا من قبله.

إذا سارت القوى الثورية في هذا النفق المظلم الذي يخطط له شياطين الانقلاب ودعاتُه ودهاتُه، فلن تقوم للثورة قائمة، وسيعيدنا ذلك الى مرحلة ما قبل الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر عام 2010، والتي حصلت فيها أحزاب المعارضة بما فيهم (الإخوان المسلمون) على صفر مقاعد. الاختلاف الوحيد ولكنه الجوهري سيكون في أنه إذا ما أطلقت انتخابات 2010 شرارة الثورة التي انتهت باسقات مبارك، فإن انتخابات 2018 ستنتهي بالقضاء على ما تبقى من وهج ثورة 25 يناير واسقاطها نهائيا، وتأبيد حكم السيسي الى ما شاء الله، وهذا ما لن يغفره التاريخ لمن يرضى أن يكون جزءا من هذه الجريمة.

من المعروف أن الأنظمة القمعية جعلت من التحكم في (معرفة المقموع) هدفها الذي تعول عليه في إحكام سيطرتها وتشديد قبضتها على الشعوب، كما يقول (ستيفن بيكو) أحد رموز النضال ضد نظام (الأبارتهايد) السابق في جنوب أفريقيا، لقد حرصت أنظمة الاستبداد على التحكم في المشهد العام بكل تفاصيله، فإن سمحت للمعارضة بمساحة ما فبقدر ما يخدم مصالحها تتسع وتضيق بناء على ذلك، لكنها حرصت دائما على أن تظل ممسكة بالخيوط وراسمة لحدود وقواعد اللعبة، ومحددة لأدواتها، اعني بذلك (أدوات السيد !!!)، فلا يخرج فعل الآخر المختلف والمخالف (والمشاغب !!) في نظرها عن الحدود المرسومة، لأنه يعرف تماما أنه وفي اللحظة التي يخرج فيها عن دائرة السيد/الحاكم المرسومة، وفي اللحظة التي يختار فيها أدواته من خارج نطاق هذه الدائرة، وينتج قواعده هو للعبة بعيدا عن قواعد لعبة (السيد)، فإن ذلك يعني بالضرورة بداية هدم هذا البيت من قواعده، وإزالته بالكلية وإقامة شيء آخر مكانه مختلف تماما ...

على القوى الثورية أن تعي (وانا واثق انها كذلك) أنه لا يمكن لهم أن يغيروا أوضاعهم، كما ويستحيل عليهم أن يزيلوا كابوس الاستبداد من على صدروهم ما داموا يستعملون أدوات السيد الحاكم، عليه لا بد من التمرد على هذه الأدوات مناجل تغيير النظام، وليس إصلاحه، تغيير وليس إصلاح، وبأدواتٍ هي ملك الشعب ومن إنتاجه، وليست ملكَ الحاكم أو السيد، بذلك يصبح الشعب حرا وإن لم يتحرر بعد، المطالبة بالتغيير لا بالإصلاح معناه رفض أسلوب الترقيع والتغيير من الداخل، فالداخل هذا لا علاقة له بالشعب وبمصالحه الحقيقة، ولكنه الطريق إلى (تأبيد) الدكتاتورية (وتخليد) الاستبداد،

على قوى الثورة أن تكون في منتهى الحذر والانتباه من مغبة الانجرار إلى ساحة السيد المستبد، والابتعاد ما استطاعوا عن محاولاته المكشوفة لإرجاع (القطيع) إلى حظيرته من خلال تقديم تنازلات محدودة لا تهدم بيت السيد تماما، ولكنها تغير في طلاء جدرانه وترتيب غرفه على أكثر تقدير، الشعب يجب ان يسعى إلى تغيير النظام وليس إصلاحه، وهذا هو الذي يصنع الفرق ويحقق المعجزة، ويحرك أخيرا (أبا الهول) الذي ارتبط سكونه آلاف السنين بسكون الشعب المصري، حتى قيل (إن تحرك أبو الهول، فيمكن للشعب المصري أن يتحرك)، الذي حصل أن الشعب المصري تحرك، وإن ظل (أبو الهول) في سكونه، لأن الشعب قد وعى أخيرا قواعد اللعبة.

خلاصة القضية، أدوات السيد لا يمكن أن تهدم بيت السيد، خصوصا حينما يكون الأمر متعلقا بتغييرات جذرية تقلب الأوضاع رأسا على عقب، بالمعنى الإيجابي طبعا، وإلا فلا فائدة، فالمطلوب ليس تغيير استبداد باستبداد آخر، (فملة الكفر واحدة) كما يقال. الثورات العربية ومنها المصرية كانت مع الأسف ثورات لم تكن خارج نص النظام تماما، ولذلك أخفقت في تحقيق أهدافها كما أرادت.

بناء البيت الجديد على أسس جديدة من الحرية الحقيقية والديمقراطية الحقيقة والتنمية الحقيقة، معناه فعلا الزوال النهائي لنظام السيد القديم.

وهذا ينطبق على جميع الشعوب المقهورة هنا وهنالك.

الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني – 1948

الرئيس السابق لحزب الوحدة العربية – الذراع السياسية للحركة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة