15- متابعة للمقالة التي كتبتها في الأسبوع الماضي تحت عنوان ( نحو مجتمع عصامي ) ما زلت أؤكد أننا بمسيس الحاجة الى إحياء باب الوقف كرافعة إقتصادية مع مواصلة السعي في نفس الوقت الى تحرير كل الوقف الذي لا تزال تصادره المؤسسة الاسرائيلية والذي يساوي 61/1 من مساحة فلسطين التاريخية ، ولعل من جميل ما حدث معنا خلال الأسبوع الماضي ان كلا من الشيخ سعيد العقبي والشيخ ابراهيم الوكيلي والأخ محمد سلمان السيد وكلهم من النقب قاموا خلال معسكر التواصل الأول بوقف ما يزيد عن عشرة دونمات أرض لمصلحة الأهل في النقب عامة !! ثم لا بد من السعي لإحياء الزكاة وصدقة الفطر والصدقة الجارية كمصادر ذاتية وشفافة ونامية تحمل قوة اقتصادية كبيرة تمدنا بالقوة المالية والقيم التكافلية لبناء مجتمعنا بناء ذاتيا وشفافا .
16- والى جانب ذلك ومن أجل إيجاد المصادر المالية الذاتية التي من شأنها أن تشكل ركائز أساس لبناء مجتمع عصامي لا بد من العمل على احياء قيمة الميراث والوصية كقيم تحمل الجانب التعبدي لله تعالى من جهة ، ومن جهة أخرى تحمل قوة اقتصادية ذاتية ، فلو تعرفنا جيدا على ماهية الوصية لوجدنا أنها قيمة اسلامية كانت تدفع الفرد المسلم أن يوصي ببعض ما يملك للصالح العام بعد موته ، ولقد أجاز الشرع الاسلامي أن تصل قيمة الوصية الى ثلث الميراث ، لا بل أجاز الشرع ان تصل قيمة الوصية الى اكثر من الثلث بشرط موافقة الورثة ، وهذا يعني اننا لو نجحنا بإحياء الوصية من جديد ثم بادر أهلنا الى الوصية ببعض ما يملكون للصالح العام ، لو نجحنا بذلك لأحيينا من جديد هذا المصدر الهام جدا الذي يشكل رافدا ماليا قويا لبناء ذاتنا بناء شفاف وشامل نحو مجتمع عصامي ، ولو تعرفنا جيدا على ماهية الميراث في الاسلام لوجدنا أن هذه القيمة قد حافظت على حتمية توزيع الثروة المالية وتوزيع الأرض والعقارات بين أفراد المجتمع في نهج دائم لا يتوقف ، وبذلك حافظت على النهج التكافلي بين أبناء المجتمع الواحد من منطلق ان الميراث هو واجب ديني مطالب به كل مُوَرِّث ولا يجوز التلاعب بهذا الواجب الديني إطلاقا ، وهذا يعني أننا لو نجحنا بإحياء الميراث من جديد في مسيرة أهلنا لأوجدنا بذلك مصدرا هاما من شأنه أن يمدنا بقوة مالية وتكافلية لبناء شفاف وشامل ، ولو رجعنا الى كتب الفقه الاسلامية لوجدنا مئات الموسوعات الفقهية التي تتحدث عن الميراث لأهمية هذا المصدر كواجب ديني يجب الحفاظ عليه، ولو أمعنا النظر جيدا في هذه الموسوعات الفقهية لوجدنا أن الفقهاء كانوا ولا يزالون يولون إهتماما خاصا للميراث لدرجة أنهم تناولوا دقائق هذا الواجب الديني في أسلوب مدهش يدعو الى كامل التقدير والإعجاب ، ولا شك أن هذا الواجب الديني الذي يحمل قوة اقتصادية وتكافلية مذهلة ، لا شك أنه يكاد أن يكون ميتا في هذه الأيام ، ولا شك أننا مطالبون بإحيائه من جديد نحو مجتمع عصامي .
17- والى جانب ما ذكر ومن أجل إيجاد المصادر المالية الذاتية كركائز لمجتمع عصامي لا بد من إحياء قيمة الإنفاق في مداها الواسع الذي يتسع لأبعد من الزكاة وصدقة الفطر والصدقة الجارية والميراث والوصية ، إذ أن هذه القيم هي واجبات محددة النسبة والشروط في مفهوم الشرع ولكن يبقى الانفاق في مفهومه الشرعي الواسع يتسع لأبعد من كل هذه القيم ، يقول الله تعالى : ( يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) نعم تأتي كلمة » العفو» الواردة في هذه الآية لتعطي المعنى الواسع اللا محدود للإنفاق ، فهناك الإنفاق الواسع الإضافي عن الزكاة وصدقة الفطر والصدقة الجارية والميراث والوصية ، ولا بد من إحياء قيمة الإنفاق بهذا المعنى الواسع اللا محدود في نفوس أهلنا ثم لا بد من العمل على مأسسة قيمة الإنفاق بهذا المعنى الواسع اللا محدود كركيزة أساس نحو مجتمع عصامي .
18- وعلى سبيل المثال ها نحن قد بدأنا مأسسة قيمة الإنفاق من خلال إنشاء صندوق الألف الخيري ، والذي أردناه من وراء صندوق الألف الخيري هو تجنيد ألف من أهلنا كأعضاء ثابتين في هذا الصندوق ، بحيث ان يلتزم كل واحد منهم بدفع مبلغ مالي بقيمة ألف دولار سنويا لهذا الصندوق ، وبذلك يتوفر لدينا رأس مال سنوي بقيمة مليون دولار في هذا الصندوق !! مع التأكيد أن هذا المبلغ المالي هو ما سوى الزكاة وصدقة الفطر والصدقة الجارية والميراث والوصية !! ومع التأكيد أن هذا المبلغ المالي لن يبقى محدودا بقيمة مليون دولار فقط ولا برقم ألف عضو في هذا الصندوق ، بل سنسعى في المستقبل الى تحويل هذا الصندوق الى صندوق الألفين الخيري لا بل الى صندوق الثلاثة آلاف الخيري وهكذا !! ومع التأكيد أننا باشرنا بتحويل فكرة هذا الصندوق من فكرة محلية الى فكرة عالمية ، بمعنى اننا سنقيم عما قريب مؤسسة قانونية مكشوفة بهذا الاسم » صندوق الألف الخيري » في إحدى الدول الأوروبية وسنخاطب من خلالها جموع أهلنا في كل العالم للالتفاف حول هذا الصندوق مع حرصنا الشديد أن يكون كل ذلك في إطار قانوني ومكشوف وشفاف !! ومع التأكيد أننا نجحنا حتى الآن بتجنيد ما يزيد على الأربعمائة من أهلنا على الصعيد المحلي كأعضاء ثابتين في هذا الصندوق !! ومع التأكيد أننا ما زلنا نواصل عقد لقاءات مكثفة في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية ( عكا وحيفا ويافا واللد والرملة ) من أجل دعوة أهلنا للإنضمام الى هذا الصندوق !! ومع التأكيد أننا عما قريب وخلال الأشهر القادمة سنعقد المؤتمر الأول لهذا الصندوق بحضور الأعضاء الألف الأوائل في هذا الصندوق ، حيث سنعلن خلال هذا المؤتمر عن ميزانية هذا الصندوق وعن سبل صرف هذه الميزانية وفق رؤية شاملة تحيط بقضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك وتحيط بقضية الإنسان والأرض والمسكن والمقدسات في مسيرة مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل .
19- وها نحن قد بدأنا مأسسة قيمة الإنفاق من خلال إنشاء صندوق طفل الأقصى الذي نجح حتى الآن بتجنيد ما يزيد على ثلاثة وعشرين الف طفل من أطفالنا كأعضاء ثابتين في هذا الصندوق ، وها هو كل طفل من هؤلاء الأعضاء يحرص على مدار السنة على وضع قسط من مصروفه المالي اليومي في هذا الصندوق ، وبذلك تتوفر لدينا قيمة مالية كبيرة كمصلحة طبيعية لمجموع هذه الصناديق ، وبذلك تتوفر لدينا القدرات المالية لمواصلة اعمار واحياء المسجد الأقصى المبارك ثم لمواصلة إعمار وإحياء كل أوقافنا ومقدساتنا ، ولا شك أننا ما زلنا نواصل صب جهدنا لزيادة عدد الأطفال الأعضاء في هذا الصندوق .
20- والى جانب ذلك فقد نجحنا بمأسسة قيمة كفالة اليتيم من خلال لجنة الإغاثة ، وها هي لجنة الإغاثة قد نجحت حتى الآن بكفالة ستة عشر ألف يتيم من أهلنا من الضفة الغربية وقطاع غزة كفالة دائمة دون إنقطاع بواسطة آلاف الكفلاء من أهلنا من النقب والجليل والمثلث والمدن الساحلية عكا وحيفا ويافا واللد والرملة ، وبذلك توفرت لدينا القدرات لرعاية هؤلاء الآلاف من الأيتام رعاية مالية دائمة ومنظمة بحيث ان كل ولي يتيم من هؤلاء الأيتام يستلم شهريا كفالة مالية لليتيم ما دام يتيما ، واذا ما بلغ هذا اليتيم سن الرشد فإن الكفالة تنتقل الى يتيم آخر تلقائيا
وهكذا .
21- والى جانب ذلك فقد نجحنا بسن سنة إنفاق حسنة ألا وهي العشاءات الخيرية التي باتت نمطاً خيريا سنويا نعمل من خلاله على اللقاء مع الأهل الموسرين ماليا ودعوتهم للإنفاق في سبيل مواصلة اعمار واحياء المسجد الأقصى المبارك بإدارة ورعاية هيئة الأوقاف ولجنة الإعمار ، وفي سبيل دعم كل مشروع خيري يحفظ لنا الإنسان والأرض والمسكن والمقدسات ، ولا شك أن هذه العشاءات الخيرية قد باتت رافدا منظما لقيمة الإنفاق بمعناه الواسع والنامي والدائم بفضل الله تعالى .
22 - بالإضافة الى كل ما ذكر لا بد لنا من العمل على إحياء قيمة الزهد كرافعة أساس في مسيرة بناء الذات بناء ذاتيا وشفافا نحو مجتمع عصامي ، وقد كتبت حول هذا الموضوع فيما مضى ولكنني وعلى عجالة أقول لو أننا أحسنّا ضبط حركة نفقاتنا المالية على قاعدة » الاقتصاد في النفقة نصف العيش» لنجحنا بتوفير مبالغ مالية ضخمة حريّ بنا أن نستثمرها كركيزة أساس نحو بناء الذات ونحو مجتمع عصامي !! فها نحن وبشهادة أحد مسؤولي البنوك الاسرائيلية ننفق على الأعراس كل عام من خلال هذا البنك فقط مبلغا ماليا بقيمة مليار شيقل !! وها نحن قد أنفقنا خلال أيام عيد أضحى واحد فقط مبلغا ماليا بقيمة خمسين مليون دولار !! وها هو المدخن فينا ينفق لوحده فقط ما معدله سنويا اثنا عشر ألف شيقل ولو ضربنا هذا الرقم بعدد المدخنين فينا لنتج عنه رقم خيالي !! وها نحن ننفق مبلغا خياليا كل عام على شراء الكوكا كولا على سبيل المثال !! فلو نجحنا بضبط حركة نفقاتنا المالية لتوفر بين أيدينا مبالغ مالية ضخمة ستصبح تلقائيا ركيزة ضخمة نحو بناء الذات ونحو المجتمع العصامي ، ولكن هيهات هيهات أن نصل الى ذلك إذا لم ننجح بإحياء قيمة الزهد في حياتنا ، وهيهات هيهات أن ننجح بإحياء قيمة الزهد في حياتنا إذا لم ننجح بإحياء قيمنا الإسلامية العربية التي تشمل من ضمن ما تشمل كل هذه القيم المالية التي ذكرتها بما في ذلك قيمة الزهد كقيمة ترشيد للإنفاق .
23- ويبقى المجال أوسع مما ذكرت من أجل احياء قيمنا المالية الذاتية ، ولكن إذا ما نجحنا بإحياء كل ما ذكرت أو إذا ما نجحنا بإحياء القسم الأكبر منه فإن ذلك سيوفر لدينا مصادر الدعم المالي الذاتي الأصيل ، وإن ذلك سيمكننا من الجمع بين هذه المصادر المالية الذاتية وبين ما نملك مما تبقى من أرضنا وبين قدراتنا العلمية الذاتية الصافية الأصلية ، أي بمعنى آخر ستتوفر لدينا الإمكانية للجمع بين الإنسان والأرض والمال كمنطلقات أساس وضرورية نحو بناء الذات ونحو مجتمع عصامي وعندها فقط يجب علينا ان نعمل على احياء قيم المعاملات المالية في الفقه الاسلامي وخاصة إحياء قيم الشركات وفق الفقه الاسلامي المستنبط من أدلته الأساس من القرآن والسنة ، ولماذا خاصة الشركات؟! لأنها تحمل أنماطا مذهلة من المعاملات التي تقوم على أساس الجمع بين الإنسان والأرض والمال ، وهذه الإنماط المذهلة هي في غاية الروعة من حيث قيمة ماهيتها وقيمة دورها وقيمة أثرها في مسيرة بناء الذات نحو مجتمع عصامي .

يتبع...