للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
حكاية اليوم تتناول مشكلةً قامت بين بطلين، هُما قنفذ وخلد. كان القنفذ يتنزّه في الحقل حين شاهد أكوامًا صغيرةً من التّراب النّاعم الأملس.
قال القُنفذ: غريب! ما هذا التّراب؟ أسمع حفيفًا واهيًا قريبًا منّي. هه! مَن هذا الحيوان الصّغير الذي يحفر الأرض ويدفع التّراب بقوائمه ويقيم كومةً من التّراب جديدة؟
صورة توضيحيّة
وجاء صوت الخلد: سه، سه، سه!
فصرخ القنفذ: مَن أنتَ يا مُسَأسِئ؟
أجاب الخلد: قُل لي مَن أنتَ أوّلاً لأقول لك من أنا ثانيًا؟
حسنًا. أنا القُنفذ، وأنتَ؟
وأنا الخلد، اسمي الخلد. ألَم تسمع بالخلد من قبل يا حضرة القُنفذ؟
فقال القنفذ: كم أنتَ رقيق وممتاز. أنا نادمٌ لأنّي لم أتعلّم أن أحفر بنفسي في التراب مثلك. والحقيقةُ أنّي لم أشاهد في حياتي كلّها خلدًا.
قال الخلدُ ضاحكًا: شكرًا لك على ثَنائك. والآن بعد أن شاهَدتَني أصبحتَ تعرف الخلد؟
نعم، وليَ الشّرف بذلك.
صاح الخلد: أخجَلَك تواضعي!
قال القنفذ: سأجلس هنا بالقرب من أوكارك وأرى كيف تقوم بالحفر وقلب التراب وتكديسه في أكوامٍ صغيرةٍ.
أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً. تفضّل، تفضّل. هل لك يا صاحبي القُنفذ أن تشرب فنجانًا من القهوة؟
لا شكرًا، بالأفراح.
ما بالك يا صاحبي الخلد؟
خطَرَت على بالي فكرة.
فكرة ؟ أيّة فكرة؟
ما رأيك أيها الصديق العزيز؟
رأيي؟ بماذا؟
أن نكونَ شريكَين معًا في زراعة القمح؟
شريكَين في زراعة القمح؟
بالضبط يا رفيقي. فأنا أملك حقلاً واسعًا، ولكنّي لا أجيد الحفر والحراثة وقلب التربة مثلك.
هه. هه، بدأت أفهم.
مُمتاز إذن. أنت يا عزيزي الخلد تحرث الأرض وأنا أبذرها وأتعهّدها بالسقاية والعناية. وسيكون عندنا بعد ذلك إنتاج وفير نتقاسمه بالتّساوي.
هاه…
هه! ماذا؟ لم تبد لي رأيك؟
موافق، موافق. هات يدك يا صديقي القنفذ نتصافح عربونًا للإخلاص والمحبّة والوفاء.
شدّ علي يديّ كما أشدّ على يدك.
يا صديقي أنا أعاهدك.
وأنا أعاهدك.
حرثَ الخلد الأرض بدقةٍ واهتمامٍ. وبعد أن بذر القنفذ القمح، أعاد الخلد حراثة الأرض مُجدَدًا حتّى تمكّن من طمر جميع البذور في التراب. وراح الإثنان ينتظران.
سأل الخلد: والآن أيها القنفذ العزيز، ماذا ستفعل؟
فأجابه القنفذ: سأهتمّ بالمزرعة، وأعتني بسقايتها وتعشيبها وحمايتها من فئران الحقول.
حسناً تفعل، وأنا أساعدك أيضًا.
طبعًا. فغدًا سينمو القمح، وستكون سنابله كثيرة وغنية بالحبوب.
وعندها سيكون نصيبُ كلّ منّا وفيرًا.
طبعًا، طبعًا.
كان الموسم وافرًا. وتعهّد القنفذ حصاده وجمعه أكداسًا كبيرةً، ثم درس القمح وذرّاه فصار كحبّات اللّؤلؤ. وحان أوان اقتسام المحصول.
قال الخلد: أرأيت ما أوفر الموسم؟
فأجابه القنفذ: طبعًا، طبعًا؟
هيا، هيا نقتسم الغلّة.
حاضر، حاضر.
ماذا تنتظر؟ هيا نقتسم، نصف الغلّة لي، ونصفها لك.
دعها للغد، وإن غدًا لناظره قريبٌ.
إذًا صباحًا نقتسم الغلّة.
ألم تسمع ما قلتُ؟
قلتَ غدًا.
وقلت أيضًا إنّ غدًا لناظره قريبٌ.
فكّرَ الخلد: إن غدًا لناظره قريب؟ ماذا يعني؟
قال القنفذ لنفسه: لِمَ يكون الخلد شريكي؟ ألم أعمل أكثر منه؟ إنّه لا يستحقّ نصف المحصول. أنا تعبتُ أكثر منه. يجب أن آخذ حصةً أكبر. وماذا يستطيع الخلد أن يفعل إن أخذتُ أكثر؟ فأنا عندي أشواك كثيرة حادّة تلفّ جسمي، أستطيع أن أقذفه بها وأحمي نفسي منه إن أراد أن يقاتلني. فلأذهب إلى الحقل وآخذ نصيبي.
وفي الحقل كان الخلد ينتظر من قَبل الفجر.
أراك جئتَ مبكرًا يا صديقي القنفذ؟
فكّر القنفذ لنفسه: ما به سبقني إلى الحقل؟ – ثم قال بصوتٍ عاديٍّ: جئتُ للإقتسام.
هيّا! باشر.
لماذا نتعب أنفسنا يا خلدي الجميل؟ سأعطيك حصّتك الآن، هذه حصّتك.
ماذا؟ حصّتي؟ حصتي؟ هذه حصتي؟ أراك أعطيتني كومةً صغيرةً وأبقيتً كلّ الغلّة لكَ.
طبعًا. فأنا اعتنيت بالموسم من أوّله إلى آخره.
وأنا حفرتُ الأرض وساعدتُك.
هذه حصّتك يا خلد وكفى!
ولكنّنا اشتركنا معًا على أساس أن يكون النّصف لي والنصف الآخر لك.
هذه حصّتك، وافعل ما تشاء!
أنا لا أقبل بهذا! لا، لا، لا أقبل.
لا تقبل؟ أنت حُر. هذا ما لك عندي. خذه وامش.
ما هذا الكلام يا قنفذ؟
هذا الكلام لكَ.
أنت لصّ خسيس ودنيء.
اسكت يا خلد وإلاّ لن تعرف ما يحلّ بك!
ماذا يحلّ بي؟
صاح القُنفذ: أقذفك بشوكي.
فأجابه الخلد: اسمع يا صاحبي. لم النّزاع؟ نرفع قضيتنا إلى الثعلب. فهو قد أقام مَحكمةً للنّظر في قضايا المظلومين، وما يقول نعمل به.
حسنًا. فلنذهب إلى الثّعلب.
ضحك الثعلب طويلاً، وقال: نعم، نعم، فهمتُ. هل لأيٍّ منكما أن يقول شيئًا آخر؟
قال الخلد: أريد حصّتي كاملةً.
وقال القنفذ: أنا تعبتُ وأريد نصيبي.
حسنًا، قال الثّعلب، دعاني أفكّر بالأمر، كي أصل بكما إلى حلٍ عادلٍ يرضيكما معًا. اذهبا الآن . غدًا في مثل هذا الوقت، نلتقي معًا في الحقل.
وجاء حكم الثعلب في الغد، فقال للقنفذ: أيّها القنفذ المسكين! لقد تعبتَ كثيرًا وبذلتَ مجهودًا كبيرًا تستحقّ المكافأة عليه. وحقٌ لك أن تستريح من عناء العمل الشّاق. فقد حصلتَ من جرّاء دراسة القمح وتذريته على قشٍ وتبنٍ كثير، تستفيد منه في بناء أكثر من بيتٍ لك، وفي صنع فرش عديدة تحميك شر البرد، وتوفّر لك الرّاحة والنّعيم الدائم. فكُلّ القش والتبن لك وحدك، لا يحقّ للخلد مشاركتك فيهما.
وقال للخلد: أمّا أنتَ أيّها الخلد الطّيب، فإنّك لستَ بحاجة إلى شيءٍ من القش والتبن. إنك بحاجةٍ إلى غذاءٍ يحميك من الجوع، تختزنه في بيتك لوقت الحاجة. خُذ هذه حفنة من حبّات القمح أمانًا لك من الجوع والفقر.
وأضاف الثعلب: أمّا أنا فسأكتفي بما تبقى من حبّات القمح هنا كأجرٍ لأتعابي في إحلال السّلام بينكما.
تساءل الخلد: يعني… لن يصيبنا شيء من قمحنا؟
وقال القنفذ: وتَعَبنا؟
فأجابهما الثعلب: هذا هو حكم الثعلب.
نظر الخلد إلى صديقه القنفذ وقال له: أرأيتَ؟ أرأيتَ ما حلّ بنا بسبب طَمعك؟
فأجاب القنفذ: أنتَ لم تقبل بما اخترتُ أنا.
ضحك الخلد وقال: ما أحلى ظلم القنفذ! إنّه خيرٌ ألف مرّةٍ من حكم الثعلب!
بينما تحسّر القنفذ على ما خسِر وقال: آه! ما ضَرّني لو لم أطمع وأستولي على حصّتي وحصّة شريكي!!