للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
ال د. تعطي حاملها ميزة التخصص في مجال معين كالطب أو الموسيقى أو العلوم السياسية أو اللغة أو التاريخ إلخ...ولا تعطيه ميزة التخصص في كل المجالات. كثيرون من حملة ال د. يستغلونها كترخيص أو كغطاء للولوج إلى مجالات مختلفة بعيدة كل البعد عن تخصصهم وبعيدة عن قدراتهم ومفاهيمهم. وبما أننا مجتمع فضفاض ومترهل فقد تعود حملة ال د. من أبنائنا أن يكونوا في المقدمة دائماً حتى في الحالات والمجالات التي لا يستطيعون فيها الخطو ولو خطوة واحدة إلى الأمام، كالبرلمان أو كسلطاتنا المحلية أو كساحتنا الثقافية، فيعطلون المسيرة ويعيقون التقدم.
ليس كل حامل د. يستطيع ان يكون ناقداً حتى لو كان تخصصه في اللغة العربية. وليس كل حامل د. يستطيع ان يكون أديباً حتى لو كان تخصصه في الأدب. فلكي يكون الإنسان ناقداً أو روائياً أو شاعراً هو بحاجة للموهبة وللذائقة وهذه وتلك لا تُكتسب مع ال د.
في كثير من الحالات يكون تطاول حَمَلةُ ال د. ضارًا ومدمرًا خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة وذات تأثير واسع ومباشر على مجتمعنا كالأدب. فما نراه اليوم من تناول حَمَلة ال د.، ممن لا ذائقة لهم، لمواد هابطة لا تمت للأدب بصلة وتدعيمها بمختلف النظريات العلمية والفلسفية ودبلجة المقالات الطويلة حولها لجعلها مواد ذات قيمة وجعل كاتبيها شعراءً أو روائيين مرموقين، ما هو إلا محاولة لدس السم القاتل في حلق القراء وإجبارهم على ابتلاعه من ناحية ومن ناحية ثانية ما هو إلا مقدمة لشرعنة ظواهر مقلقة كظاهرة الربح السريع وظاهرة الجريمة.
إن إقدام حامل ال د. على ترويج مواد هابطة وركيكة وخالية من أي معنى أو هدف، وتبرير هذا الهبوط وهذا الخواء أنه بسبب الرمزية وبفعل الحداثة ليس إلا عملية غش وخداع للتغطية على حقيقة أن هذا الترويج هو مقابل علاقات جنسية أو صداقات شخصية أو دفعات مالية. وما هذا الترويج إلا فعل مشين يرقى إلى مصاف الجرائم والموبقات. لأن ضرره لا يمس أفراداً بعينهم وإنما يمس مجتمع القراء بكامله ويشككهم في ذائقتهم، أو على الأقل يثير نقمتهم فيبتعدون عن القراءة بعد ما يصيبهم من إحباط خصوصاً وان "الشاهد!!" من حملة ال د. ولا يمكن أن يكون رأيه خاطئاً. القارئ العادي لا يمكن أن يتصور أو يتخيل أن هنالك من يحملون أل د. ويوظفونها بطرق ملتوية في خدمة نزواتهم وغرائزهم بعيدين كل البعد عن الموضوعية وفاقدين لشرش الحياء ولكل الضوابط الأخلاقية. فلو كان عالمنا العربي خالٍ من الظلم ولا تسوده نظم دكتاتورية فاسدة ورجعية، معنية بهبوط الأدب ومن مصلحتها تردي المجتمعات لتم محاكمة هؤلاء المتسترين خلف ال د. ويبثون سمومهم وسخافاتهم دون وازع من ضمير.
نحن في حالة فوضى لا مثيل لها. وقد أصبحت ساحاتنا الأدبية، تماماً كساحاتنا السياسية الاجتماعية والاقتصادية، مشاعاً للرخيصين والرخيصات ليتصدروا الكثير من مجلاتنا وصحفنا ونوادينا ومشهدنا الثقافي بوقاحة ودون ذرة من حياء. صار الأدب ساحة للعنف وللدعارة الفردية وحتى الجماعية، ووسيلة لخدمة السلطة أو الأحزاب أو الفئات يبدع فيها المنافقون والمتذبذبون والمنتفعون بمساعدة وبتغطية من قبل فئة مأجورة من حَمَلة أل د. تماماً كما هو رائج ومتبع في إعلامنا السياسي.
لا يمكن لمقطوعة، لا وزن فيها ولا قافية ولا موسيقى ولا معنى ولا هدف، أن تكون شعراً حتى لو كتبتها أنثى جميلة. ولا يمكن أن تكون إبداعاً حتى لو شهد لها آلاف حاملي أل د. وكتبوا عنها مئات المقالات الطويلة المدعمة بالنظريات الفلسفية. لأن الأدب مسيرة شاقة ومسار طويل يشقه الأديب بتعبه وجهده ومثابرته وليس تزكية من حامل د. يحصل عليها بطرق ملتوية من يدفع أكثر.
في الساحة الاقتصادية على مستوى النظام الرأسمالي العالمي هنالك ظاهرة الربح السريع المشروعة والقانونية رغم اعتمادها بالأساس على طرق وأساليب ملتوية وغير مشروعة وغير قانونية. هذه الظاهرة مقبولة ومعمول بها رغم أن الجميع يعرف ما فيها من ظلم وإجحاف وفي كثير من الأحيان من تغول وتوحش وسحق لشرائح عريضة من المجتمع. هذا بالضبط ما يجري في الساحة الثقافية إذ أن هنالك شريحة عريضة ممن يريدون التصدر السريع للمشهد الثقافي بطرق ملتوية وغير شرعية كما هو حاصل في الساحة الاقتصادية. من بين الأسلحة غير الشرعية التي تستعملها هذه الشريحة سلاح اللجوء إلى حملة ال د. لتزكيتهم كسلاح من الوزن الثقيل لا يمكن الوقوف في وجهه أو التشكيك بفاعليته، كما حصل لسلاح الجندرية والفئوية والجنس والنفاق التي انكشف أمرها وأصبحت أسلحة قديمة ومنبوذة.
إن هذا الاجتهاد لوضع أناس لا علاقة لهم بالأدب في صدارة المشهد الثقافي كمبدعين هو عملية مرتبطة ارتباطاً عضوياً مباشراً ومتبادلاً بعمليتين أخريين هما عملية الربح السريع في النظام الرأسمالي المتغول وعملية العنف والجريمة في المجتمع المدني وما يميزهما من قتل مباشر وغير مباشر للإنسان.
من يزكي قصيدته أو روايته أو لوحته الفنية الهابطة بشهادة تمجيد من حامل د. لا يختلف بتاتاً عمن يسعى للكسب السريع بطرق محرمة وغير أخلاقية أو عمن يطلق النار كل يوم في مجتمعنا من اجل القتل بدم بارد. إن العلاقة بين الثلاثة (من يزكي منتجه الثقافي الهابط ومن يجني الربح السريع بطرق ملتوية ومن يطلق النار للقتل) هي علاقة عضوية مباشرة ومتبادلة لأن ثقافة الفرد هي المنطلق لسلوكه وتصرفاته ولأن من يسلب الناس لقمة قوتهم بحاجة للمسدس لتكريس سلطانه. فكيف نسأل ماذا أصابنا بعد أن أصبحت الجريمة سمة أساسية من سمات ساحتنا الاقتصادية وساحتنا الاجتماعية وساحتنا الثقافية.
فيا من تشجعون البلطجة الثقافية بالذات من حملة ال د. لا تستخفوا بأفعالكم ولا تظنوا أنكم تتسلون، فما تقومون به لا يختلف عمن يختلس ويسرق ولا عمن يطلق النار ويقتل فاتقوا الله وراجعوا حساباتكم.