الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 05 / نوفمبر 10:02

لكل مقامٍ مقال/ بقلم: الشيخ محمد سليمان

الشيخ محمد سليمان
نُشر: 15/11/19 10:55,  حُتلن: 11:12

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

لكل مقامٍ مقال
أخي الشيخ أخي الداعية أخي الواعظ ...
يقولُ ربُّنا تباركَ وتعالى: أُدعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ..
وعند الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها..
قالَ بنُ القيّمِ رحمهُ اللهُ : الحكمةُ هي قَولُ ما ينبغي على الوَجهِ الّذي ينبغي في الوقتِ الذي ينبغي ، وأركانُها العِلمُ والحِلمُ والأناةُ، وأضدادُها ومعاولُ هَدمها الجَهلُ والطَيشُ والعَجَلَةُ ...
إنَّ المَقصدَ الأوّلَ منَ الدّعوَةِ إلى اللهِ تَبارَكَ وتَعالى هُو تعبيدُ العباد لربِّ العباد وإرشادِهم إلى الصراطِ المُستقيمِ والمَنهَجِ القويمِ ،
والدّعوةُ إلى الله فنٌّ لا يجيدُهُ إلاّ من فهم الواجبَ في الواقِعِ ووُفّق لإختيارِ الدّليلِ وإسقاطهِ على واقع الناس ، لذلك كان لا بد لمن يتصدّر الدعوة والإرشاد أن يحرص على فهم نفسيات العوام وحاجياتهم وأولويات مخاطبتهم تماماً كما يحرصُ على حفظِ الآية والحديث، وإن الحديث مع عوام الناس بمؤمنهم وعاصيهم في المناسبات العامة والخاصة أو أي نشاط دعوي خارج أو داخل المساجد لا بد أن يتّسِمَ بالموضوعية والحكمة ، والعملِ على جذب القلوب وتليينها وانتباه العقول وتفهيمها ، فإنك إن تحدثت مثلا عن عقوبة العاصي أو تارك الصلاة  وأطلتَ الحديثَ والإستدلالَ أمام جموعٍ من الناس الذين في غالبهم بسطاء بل ومنهم من لا يصلي أصلاً، فنراك تخوفهم وتُقرّعُهُم وتتوعدهم بالنار وتحكم على العصاة بولوج جهنم والعياذ بالله على الملأ ، أسألك بالله عليك أين الحكمة من إنزال الأحكام على معين بدخول النار وهو لا يعلم أبسطَ أمورِ دينِهِ ؟
ويكاد لا يعرف عن الله ورسوله شيئاً ، أليس حريٌّ بنا تبليغهم عن الله ورسوله بحكمةٍ وأدبٍ جمّ ؟ ، أليس الأولى أن نُحَبِّبَ الناس بالله وأن نُحَبِّبَ اللهَ بالناسِ ؟ ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام : ما كان اللّينُ في شيءٍ إلا زانهُ وما انتُزِعَ من شيءٍ إلا شانهُ ؟ الحري والأولى بأن ننطلق بالحديث مع الناس من مبدأ الرحمة والحكمة، فمن أنا وأنت حتى نوزع شهادات تقديرٍ وتقييمٍ لسلوكِ النّاسِ وأعمالهِم ؟ تذكر أخي نحن دعاةٌ لا قُضاةٌ !
وأذكرك أخي الداعية بأن ألف باء دعوة تقتضي بأن لا تُعِبْ بالذّنبِ على أخيك فيعافيه اللهُ ويبتليك !
وكل داعية حذق فطن يعلم بأن جمهور الملتزمين من أهل المساجد يخاطبون بلهجة تختلف عن باقي الناس وذلك ليس تميزاُ أبدا بل الصحيح بأن ابنَ المَسجدِ يُفترضُ بأنّهُ يعلم المبادئ الأساسية لتعاليم الدين ، وأنا أدعي بأن كثيراً من المصلّين الملتزمين لا يفقهون أساسيات الوضوء والصلاة والصيام والعبادات فما بالك بمن هم دونهم؟
أخي الداعية : الناس مُتعطشةٌ لقال اللهُ وقال الرّسولُ ومتعطشةٌ للدينِ ، وواللهِ إن كثيراً منهم يغارُ على دينهِ وعلى نبيّهِ ويدافع عنهُم بالنّفسِ والنّفيسِ ، فكم من مُظاهرةٍ خرجت للتّنديدِ بالرُسوماتِ المسيئةِ للنبيّ عليه الصلاة والسلام كثيرٌ من رُوّادها لا يُصلّون ؟ إن دل هذا على شيء فإنّما يدُلُّ على وجودِ الخَيرِ وحُبِّ الدّينِ ورُموزهِ في قلوبِ العوام، وهم بحاجة إلى ذلك الداعية العبقريّ الألمعيّ الذي يُخرجُ الخيرَ من قلوبِ العبادِ ويُحوّلهُ إلى واقعٍ عَمليّ وإلى مَنهَجِ حياةٍ ، لا إلى دُعاةِ الوَرَعِ الكاذبِ من الّذين يتكلّفونَ  البُكاءَ والعويلَ ويتَصنّعونَ الخَوفَ والوَرَعَ والتديُّنَ ، فكم من شابٍّ أرادَ أن يضعَ قدَمهُ على
أوّلِ طريقِ الإلتزامِ فَنَفَرَ وَيَئِسَ وقَنَطَ بسببِ لُغةِ التّخويفِ والوَعيدِ ؟
فاللهَ اللهَ في الحِكمةِ والموعظةِ الحسنةِ والرّفقِ بالنّاسِ فواللهِ إنَّ أعباءَ الحياةِ وضُغوطاتِها اليوميّةِ في عصرنا هذا لكفيلةٌ بتعكيرِ صَفوِ المعاشِ وتكديرِ حُلوِ الحياةِ ، فلا تُحملوا الناس ما لا تحتملُ ولا تُكدّسوا أعباءاً فوقَ أعبائهِم ولا تُرهقوا نُفوسهم وقلوبَهم أكثرُ مما هي عليهِ ، فهم بأمسِّ الحاجةِ إلى هذه اليد التي تنتشلُهُم من بؤسِ العيشِ وهمومِ الحياةِ .

وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمين .

مقالات متعلقة