الأخبار العاجلة
قرر صاحب الجبل أن يعرّج على صديقه، والد زهرة، قبل أن يعود إلى بيته. كان جائعاً ومنهكاً إلا أنه قرر القيام بذلك ليطمئن على صديقه وليثبت له انه لم يخطف زهرة. قبل أن يدخل استقبله والد زهرة أمام بيته وعانقه طويلا أمام الناس. أراد أن يزيل كل الظنون التي تراودهم أن صديقه غدره وخطف ابنته الوحيدة. دخلا إلى البيت وانضم إليهما الجيران ومن تواجد في المكان من أبناء القرية. أخبر صاحب الجبل صديقه انه تألم مثله وأكثر على اختفاء زهرة. وأكد له أنها ستعود من هذا الغياب الغامض يوما ما وفق ما تقول له مشاعره. نظر والد زهرة حوله كمن يفتش عن شيء فقده، ثم قال: "أين زهرة؟ هل أخفيتموها أم ضاعت منكم؟ أراكم قبلتم ورضيتم واستسلمتم. كنا نفقد عنزة أو نعجة أو بقرة فلا يهدأ لنا بالة حتى نجدها أو نعرف مصيرها. واليوم نفقد زهرة القبيلة فنستكين ونستسلم. ونكف عن البحث. يا حيف. لم يخطر ببالي أن نصل إلى هذا الوضع. كل واحد منكم مشغول بشؤونه الخاصة. ضاعت زهرة وقبلتم بضياعها. عدتم إلى بيوتكم وإلى أعمالكم وكأن شيئاً لم يحدث. القبيلة أضاعت زهرة ويبدو أنها ستتنازل عنها. لو قبلتم بضياع زهرة لن تعودوا كما كنتم، ستفقدون كل شيء: كرامتكم، نخوتكم وشهامتكم. والأهم من ذلك ستكون بداية لفقد الكثير". نظر الجميع إلى صاحب الجبل. لقد تغير كثيراً فلم يعتادوا أن يتكلم أحد في حضوره. "زهرة ستعود. نحن لم نفرط بزهرة فهي عرضنا جميعاً وكل واحد منا على استعداد ليموت في سبيل الدفاع عنها. زهرة ابنة كل القبيلة، ومن مسؤولية كل واحد أن يحاول العثور عليها. من أخطأ فليعترف بخطئه ومن تقاعس فليعترف بتقاعسه. نحن مقصرون، جميعنا، لا شك في ذلك. انا من ناحيتي أعترف بتقصيري ولكنني سأواصل البحث ولن أيأس" قال صاحب الجبل هذه الكلمات بقناعة تامة.
اختفاء زهرة بهذا الشكل أثار الكثير من التساؤلات لدى الشرطة التي قررت تكثيف المراقبة على الجبل. أما في القرية فقد انتشرت الإشاعات حول ما حدث. منهم من قال أن زهرة خالفت المألوف وصعدت إلى الجبل في ساعات المساء فاختطفها الجن. ومنهم من أشاع أنها هربت مع بعض الفتيات اليهوديات لأنها تعرف القراءة
والكتابة ولديها ثقة زائدة بنفسها. ومنهم، وهم الأغلبية، من كان على ثقة تامة أنها ستعود. وصاحب الجبل كان واحداً من هؤلاء. أما اتحاد النساء العاملات في تنظيف البيوت عند اليهود فقد اتهم والدها بقتلها وإخفاء جثتها لأنها تحب صاحب الجبل وتريد الزواج منه. أشاع ذلك بين النساء في القرية وفي المنطقة فانتشر الخبر وصدقه الكثيرون. وقد عقد الاتحاد اجتماعاً حاشداً لنساء القرية. ومن منصة الاجتماع انطلقت الدعوات لنساء القرية للتمرد على الرجال والخروج للعمل. إحدى الخطيبات وهي من خارج القرية ورئيسة منظمة الدفاع عن المرأة شرحت للنساء كيف تستطيع أي واحدة منهن تقديم شكوى ضد الرجل الذي يضايقها لتأتي الشرطة لتعتقله وتودعه السجن حتى لو كان زوجها أو أباها أو أخاها أو
أحد أقرباءها. قالت لهن أن جسد المرأة ملك لها وليس ملك للرجل. ومن حسن حظ الكثير من رجال القرية أن الكثيرات من المشاركات في الاجتماع لم يفهمن ما تقصده هذه المرأة التي قصت شعرها كالرجال. وقد علا التصفيق عندما صعدت إلى المنصة سهام ابنة القرية لإلقاء كلمة نساء القرية. في كلمتها شنت هجوماً عنيفاً على الرجال واتهمتهم بالوحشية في تعاملهم مع المرأة، حتى في فراش الزوجية، لأنهم عندما يشعرون أنها تحبهم يتحولون إلى وحوش كاسرة. وقد نصحت النساء ألا يخضعن لمشاعرهن وأن يستعملن عقولهن في علاقتهن بالرجل. فالمشاعر الرقيقة تحول المرأة إلى ضحية. أما العقل والصلابة فيجعلها الأقوى ويوفر لها السيطرة الكاملة على الرجل، لأنه ضعيف أمامها ولا يستطيع الاستغناء عنها. وهو ما يجب استغلاله إلى أقصى حد. معظم نساء القرية المشاركات في الاجتماع أعجبن بكلمة سهام وقررن تغيير نمط تعاملهن مع أزواجهن. أما سالم الذي افتتح الاجتماع بصفته
رئيس السلطة المحلية فقد دعا الرجال للمحافظة على بناتهم ومعاملتهن كأبنائهم والسماح لهن بالخروج للعمل من اجل تطوير الوطن. حول موقد النار وسط الخيمة تحلق صاحب الجبل، زوجته، بناته وقططه الثلاث. ارتفعت حشرجة القطط كعلامة على استمتاعها بالدفء المنبعث من الموقد. للقطط علاقة حميمة مع النار. أما الزوجة والبنات فقد التزمن الصمت. البنات نظرن إلى والدهن بإعجاب مخلوط بالشفقة. لكن الزوجة لم تستطع إخفاء غضبها. كانت تحقد عليه لأنه لم يشاورها ولم يشركها في قراراته ولأنه أحب زهرة وأراد الزواج منها لو لم تختفي. خسارته لكل ما يملك من مواشي لم تثر رحمتها ولم تجعلها تشفق عليه. رأته ضعيفاً محطماً فشمتت وتشفت في داخلها. خجلت أن تبدي فرحتها فتصنعت الصمت كعلامة للتضامن معه. إلا أنها لم تستطع البقاء على ذلك طويلاً فكسرت الوجوم الذي خيم وقالت بصوت فضح ما
تخفيه من فرحة لما آلت إليه الأمور" المواشي هي التي جاءت لنا بالمشاكل. اليهود يكرهونها ولا يريدون لنا أن نربيها"، "ولماذا هم يربونها؟"، أجابها زوجها. دار نقاش بين الزوجين حول تربية المواشي. الزوجة ترى في تربية الماشية، بعد المتغيرات الأخيرة في المنطقة، نوعاً من الجنون. لأنها تتطلب الكثير من الجهد
والتعب ولا تدر الأرباح التي يدرها العمل بالأجرة. كل الحقائق تدعم صحة ما تدعيه فها هم من ذهبوا للعمل في تل أبيب غيروا أحوالهم وبدلوا ظروفهم. ولو لم يبيعوا قطعانهم لما استطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه ولظلوا يعانون من الفقر. أصرت أن تقنع زوجها أن المواشي لا تجلب إلا الفقر. البنات أيدن رأي والدتهن لكنهن أصغين باهتمام شديد لما يقوله الأب. خصوصاً عندما أصر أنه لن يذهب للعمل عند اليهود ولن يهجر أرضه كما فعل معظم أهل القرية. سيعمل في أرضه وسيربي الطيور التي لا يستطيع اليهود السيطرة عليها ونهبها. سيربي الحمام والبط بالإضافة لما لديه من دجاج. ابنته الصغرى فرحت كثيراً وشجعت والدها لأنها تحب الطيور. لم تقتنع الزوجة وقالت كلاماً غير واضح فهم منه زوجها أنها تهدده بالذهاب إلى العمل إن لم يذهب هو. في اليوم التالي نزل صاحب الجبل إلى القرية واشترى حمارين سمينين وقويين. لم يتوقع أن يشتريهما بهذا الثمن الزهيد. لم يكن يعرف أن سعر الحمير في القرية قد نزل وتضعضع إلى هذا الحد، لأن الكثيرين من العاملين في تل أبيب تعلموا قيادة السيارات واشتروا سيارات صغيرة أغنتهم عن استعمال الحمير في تنقلهم أو في نقل أثقالهم. شعر وكأنه كان غائباً عن القرية مئات السنين. الكثير من الأمور تغيرت وتبدلت بشكل مذهل. حتى شكل الناس الخارجي تغير وتبدل. لم يعودوا الناس الطيبين الذين عرفهم وأحبهم. كلامهم تغير وأحلامهم تغيرت ورغباتهم تغيرت. الرجال لم يفاصلوه على ثمن الحمارين، لأن نساء القرية أصبح يستحين من تربية الحمير. شعر أن الرجال يستخفون به لأنه ما زال يحتاج لتربية الحمير. وشعر أنهم نسوا فضل الحمير عليهم وتنكروا لخدماتها الجليلة. وأكثر ما حز في نفسه وجعله يشعر بالحزن الشديد أنهم لم يطلبوا منه الجلوس ليستمعوا لأشعاره وحكاياته. في الماضي القريب جداً كانوا يستجدونه للقيام بذلك. كانوا يشددون على دعوته لزيارتهم ويوفرون له كل الوسائل والإغراءات لإطالة هذه الزيارة. فماذا حدث؟ لا وقت لديهم لسماعه. يركضون للحصول على المال لاستبدال حميرهم بالسيارات. القرية لم تعد القرية والناس لم يعودوا الناس الذين عرفهم وأحبهم. لم ينزل سعر الحمير فقط بل نزل سعر الرجال أيضاً. شعر بالغضب الشديد على نفسه وعلى هذه الأمة التي أصيبت بالجنون. مع الحمارين اشترى عشرة أزواج من الحمام وأربع بطات. بناته استقبلنها بفرح وباشرن العناية بها. وضع المحراث على الحمارين وبدأ العمل. فوجئ أن الحمارين لا يشدان معاً وفي اتجاه واحد. كل واحد يشد إلى ناحية مما أضعف قوتهما فلم تخترق سكة المحراث سطح الأرض. حاول صاحب
الجبل أن يعلّم الحمارين أن يشدا في نفس الاتجاه ففشل. أمضى يوماً كاملاً وهو يحاول تدريبهما على التنسيق فيما بينهما والسير في اتجاه واحد إلا انه فشل فشلاً ذريعاً. تذكر أهل قريته وتذكر الانفصال بين سوريا ومصر وعاد إلى خيمته متعباً وقلقاً. الحماران سمينان وقويان ولا حاجة لاستعمالها معاً لجر المحراث. كل واحد منهما يستطيع القيام بذلك لوحده. فما عليه إلا تغيير المحراث من محراث يجره اثنان إلى محراث يجره واحد. لو فطن لذلك من قبل لوفر ثمن حمار وشقاء يوم كامل أضاعه في مقارعة الحمارين وفي تدريبهما على التنسيق فيما بينهما. بعد يومين من العمل المتواصل أنجز المحراث المطلوب فأخذه وأخذ أحد الحمارين إلى الحقل ليكتشف أن هذا المحراث الذي يجره حمار واحد هو المحراث الملائم والمناسب. فهو يصل إلى كل بقعة ضيقة بين الصخور. وليكتشف أيضاً أن الحوار والتفاهم مع حمار أهون من الحوار والتفاهم مع حمارين. في ذلك اليوم أنجز ضعف ما كان ينجزه بواسطة المحراث الذي يجره اثنان. تحسس مفتاح الكنز في جيبه وأطلق تنهيدة عميقة. ربما لو كان وحده لفاز بالكنز. يبدو أن هذا الزمن هو زمن العمل المنفرد بعد أن تضعضعت
الجماعة. لو عرف القراءة لما احتاج لمساعدة زهرة ولتصرف بشكل مختلف، وربما أفضل. لكن الثعالب تعوي بشكل جماعي. تعوي جوقة واحدة. عواءها يتزامن مع ارتفاع صوت الأذان. أحياناً يسبقه بقليل لكنه في معظم الأحيان يتزامن معه. جوقات من الثعالب في أماكن مختلفة من الجبل ترفع عواءها مع رفع الأذان. هل توحد الله؟ أم تشكو إليه سوء حالها؟ هل هذا العواء دليل غبطة أم دليل بكاء وتذمر؟ لم ينتبه له من قبل. كيف لم ينتبه أن الثعالب تسبح بحمد ربها؟ إذا كانت الثعالب تسبح بحمد ربها فما باله ينسى ربه ولا يشكره على الكثير من النعم التي وفرها له ولم يوفرها للثعالب؟. الثعالب تعوي مجتمعه. اتفقت على العواء معاً ليكون صوتها أقوى. إلا هو لا يجد من يعوي معه. لماذا تغير سكان القرية؟. لماذا عاش في الجبل لوحده؟ ألم يكن من الأفضل له لو عاش مع أقاربه في القرية؟ لا، لو عاش في القرية لما استطاع المحافظة على شيء ولجرفه التيار. البطولة أن تكون وحدك. أن تعيش وحدك. تتحدى وتصارع الظروف وحدك. شعر بقسوة الوحدة. لا أحد يناصره ولا أحد يتفق معه حتى زوجته وبناته. قططه الثلاث هي من يحبه فقط. هي من تحتاج له ولا تستطيع العيش بدونه. فزوجته أعلنت تمردها وهددته أنها ستذهب للعمل أجيرة عند اليهود. ستذهب للعمل في تنظيف مراحيضهم وأوساخهم. لا تريد العمل في الأرض. العمل في الأرض صار عاراً ومدعاة للتذمر. رائحة المراحيض صارت جذابة أكثر من رائحة التراب. لا يمكن فهم واستيعاب ما يحدث. لا يمكن تفسيره أو قبوله. لو أجاد القراءة والكتابة لوصل إلى الكنز. ولما احتاج لمساعدة الآخرين. لو وصل إلى الكنز لتزوج من زهرة. ولوفر لزوجته وبناته كل متطلباتهن. لكن كما يبدو فإن هذه المتطلبات لا تنتهي وليس لها حدود. الإنسان هو من يعقّد الأمور. الطبيعة وفرت له كل شيء ولكنه لا يقنع. الطبيعة وفرت له كل ما يحتاجه والله أعطاه كل الوسائل ليتمتع بما وفرته الطبيعة. أعطاه البصر والعقل واليدين. لذلك لن يحتاج للعمل عند اليهود ولا عند غير اليهود. من حقوله سيوفر القمح الذي يسد حاجته على مدار
السنة. سيطحن هذا القمح ويصنع منه الخبز الذي يحتاجه. سيدخر العدس والحمص والفول. في فصل الشتاء لديه الكثير من نباتات الجبل التي يمكن طبخها بطرق مختلفة لتكون وجبة شهية ومفيدة. لديه اللوف والعلت والمرار والقرصعنة والبخترية والشومر والفطر والسميميخة والزعتر. هذه النباتات متوفرة من بداية فصل الشتاء حتى نهاية فصل الربيع. والكثير منها يمكن تجفيفه وحفظه للاستعمال طيلة أيام السنة. وإذا احتاج اللحوم فهنالك الأنواع الكثيرة من العصافير وأسراب الحجل والأرانب والغزلان. في الجبل الكثير من النباتات التي يمكنه بيعها كدواء للأمراض في القرى المجاورة كالمرمية والزعتر والببونج. وفي فصل الصيف لديه ما يزرعه في حقوله من خضروات كالبندورة والبامية والقرع
والكوسا والخيار والبطاطا والبصل وغيرها. من هذه الخضراوات ما يمكن تجفيفه وحفظه لفصل الخريف والشتاء. شعر صاحب الجبل أنه ليس بحاجة لشراء شيء، فلديه ما يكفيه من زيت الزيتون أيضاً. سيحتاج للسكر والملح. حتى السكر يمكن الاستغناء عنه فالجبل مليء بأشجار الخروب ذات الجودة العالية. من ثمارها يمكنه صنع دبس الخروب أو الرُّب واستعماله مكان السكر. لن يحتاج إلا لشراء الملح. شعر أنه من أغنى أغنياء العالم. فماذا يغضب زوجته؟ انتبه أن المرأة هي الرابط بين الرجل والأرض. هي حلقة الوصل بينهما. بمساعدتها فقط يمكن التعامل مع الأرض لذلك يحاولون كسرها. وقد نجحوا كثيراً. خطرت بباله زهرة. صمم أن ينتظرها. لن يتنازل عن الزواج منها عندما تعود. فهي تحب العمل في الأرض ولم تذهب للعمل عند اليهود. وهي تحب عبد الناصر وتواظب على الاستماع لخطاباته. زهرة ليست كزوجته التي تتمنى العمل عندهم. وتتحين الفرصة لإذلاله. زهرة ستكون الحلقة القوية بينه وبين الأرض. الشرطة تراقب الجبل. لا زالت مشغولة بفك لغز اختفاء زهرة. لا علاقة له بالموضوع. فقد حبسوه وحققوا معه وأطلقوا سراحه.
أطلقوا سراحه ليس لكرم أخلاقهم وإنما لأنه برئ. لو لم يكن برسئاً لما أطلقوا سراحه. لكنهم يراقبونه. يريدون، على الأقل، القبض عليه متلبساً ببيع التبغ وورق السجائر. بعد شقه للشارع لم يعد الجبل معزولاً. لأن الوصول إليه بالسيارة صار أهون من الوصول إليه بالخيول. الشارع الذي شقه جلب له الويل والثبور. أفقده عزلته. أجمل الأوقات تكون حين يكون المرء معزولاً عن العالم. حاول إغلاقه إلا انه لم يستطع لأن كل الذين اشتروا سيارات من بين أقاربه وأهل بلده كانوا يستعملونه للوصول إلى القرية والخروج منها. أصبح طريقاً عاماً لا يمكن إغلاقه. ولأن صاحب الجبل لا يريد للأمور أن تفلت من يديه فيفقد السيطرة على بيته، قرر أن يباشر في تحضير كل شيء بنفسه. يجب أن يوفر كل ما يحتاجه البيت ولا يترك مجالاً لزوجته للتذمر أو للشكوى. لن يترك لها سبباً لتخرج للعمل بالسخرة. كل شيء موجود في الجبل وما عليه إلا جلبه وترتيبه. لأول مرة جمع كميات كبيرة من ثمار الخروب وصنع منها الرُّب بكميات تجارية.
ففي القرية وفي القرى المجاورة لا يوجد بيت لا يحتاجه بعد أن توقفت النساء عن صنعه رغم معرفتهن بأهميته الغذائية والطبية أيضاً. باع صاحب الجبل كميات كبيرة من رُب الخروب جلبت له دخلاً محترماً. من خلال احتكاكه بالناس من حوله اكتشف أنهم يحنون للكثير من الأشياء المتوفرة لديه في الجبل لأنهم فقدوها بعد إهمالهم للأرض وانشغالهم عنها. الكثيرون في القرية اعترفوا له أن الخضراوات والفواكه التي يجلبها لهم من الجبل لها نكهة وطعم يختلف عن نكهة وطعم ما يشترونه من الدكان. فالبندروة البعلية والبامية التي لا تنمو على مياه الري لا تشبه هذه المروية التي تتوفر في السوق. كذلك الفواكه مثل التين والعنب والأجاص. خلال فترة قصيرة تحول صاحب الجبل إلى تاجر يبيع كل أنواع الحبوب والخضراوات والفواكه والأعشاب الطبية. ولم يترك تجارة التبغ وورق السجائر. عمل بجد ونشاط هو وزوجته وبناته الثلاث.
كان يعود إلى بيته في ساعة متأخرة فيجد قططه الثلاث بانتظاره لممارسة طقوس استقباله. تحسنت أوضاعه الاقتصادية فبدأ بتسديد ديونه لصديقه التاجر واشترى الملابس الجديدة لزوجته وبناته. هل كانت زوجته محقة عندما عزت كل ما عانوه من متاعب إلى تربية الماشية؟ كاد يقتنع بذلك. لكن أباه وأجداده ربوا الماشية وعاشوا أسياد أنفسهم. الماشية كالأرض لا تجلب إلا الخير والبركة. هكذا يعتقد ولا يمكن أن يقتنع بثرثرة زوجته. في ذلك اليوم ارتفعت معنوياته كثيراً. شعر انه المنتصر. إلا أنه عاد في المساء ليجد أن الشرطة العسكرية قد ألصقت ورقة كبيرة تزينها نجمة داوود على باب بيته. أخبرته ليلى ابنته الصغرى أن جيب الأم بي جاء مسرعاً ووصل إلى آخر الشارع فنزل منه جنديان وجندية وصعدوا إلى القمة ليلصقوا هذه الورقة على مدخل البيت. قرر صاحب الجبل ألا ينزع الورقة. لن يأخذها لسالم ليقرأها له وليتشفى بحاله. فهو لا يملك المواشي وليس لديه ما يحتجزونه فليفعلوا ما بدا لهم. شعر انه قوي وغير خائف لأنه ليس لديه ما يخاف عليه.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency