الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 07:02

ما هي مضاعفات فيروس كورونا الجديد على الرئتين؟/ إعداد: د. سعيد القريناوي

د. سعيد القريناوي
نُشر: 09/04/20 13:20,  حُتلن: 17:40

د. سعيد القريناوي في مقاله:

من حيث المضاعفات على الرئتين والجهاز التنفسي صنف الخبراء مجموعة مصابي فيروس كورونا المستجد الى صنفين

رغم نسبة الشفاء العالية التي ممكن ان تصل الى 80%، الا ان هذا الفيروس يأبى الا ان يترك بسمات سلبية ومضعفات جسدية ونفسية تستمر لفترة شهور وممكن لسنين قادمة

نُشرت ايضا تقارير طبية صينية اولية، وتبين على ان المعافين من الأعراض الحادة لفيروس كورونا يعانون من انخفاض كفاءة وظائف الرئة

تتركز المضاعفات "المتقدمة" لفيروس كورونا الجديد في الجهاز التنفسي (الرئتين) على النحو التالي: تقريبا 1 من 5 حالات من المصابين بفيروس كورونا الجديد (أي ما يقارب 20%), يعانون من اعراض تنفسية; وما يقارب 15% من هذه الفئة يطورون التهاب رئوي حاد (Pneumonia), و 5-4% منهم يمرضون بشكل خطير وحرج, ويعانون من فشل تام في وضائف الجهاز التنفسي (Respiratory Failure), ويحتاجون لرعاية خاصة في مراكز العناية المكثفة وأجهزة تنفس اصطناعيه.

 

بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية, ووفقا لبيانات الحديثة (كما هو في الرسم الشكلي أعلاه) فان من مجمل حالات المصابين بعدوى فيروس كورونا المستجد "كوفد-19"; أربعة من كل خمسة أشخاص (80%) من المصابين بفيروس كورونا المستجد، تظهر عليهم أعراض طفيفة فقط.

من حيث المضاعفات على الرئتين والجهاز التنفسي صنف الخبراء مجموعة مصابي فيروس كورونا المستجد الى صنفين، وهي كتالي:

• الصنف الأول - مصابين ذوي أعراض طفيفة (ما يقارب 80 بالمئة): الأعراض المركزية التي ممكن ان يعانوا منها المصابين بالعدوى في هذه الفئه, هي ارتفاع درجة الحرارة والسعال. يكون السعال الناجم عن الفيروس جافا في بادئ الأمر, ولاحقا يصبح السعال مصحوب بالبلغم. يمكن علاج تلك الأعراض بالراحة في الفراش, والكثير من السوائل والبراسيتامول (ِParacetamol/Acamol); واغلب هذه الحالات الطفيفة تعالج بيتيا في "العزل المنزلي", ولا يكون المريض بحاجة لرعاية في المستشفى.

في هذه الفئه من المصابين, واغلبهم حديثي الجيل واصحاء مسبقا; جهاز المناعة عندهم يستطيع ان يردع الفيروس, ولا يحدث ردة فعل زائده في الجسم. قسم كبير من هذه الفئه, التي تتعافى من فيروس كورونا تستطيع اجهزة المناعة لديهم, ان تنتج مضادات (Antibodies) ضد هذا النوع من الفيروسات, ما يسمى بالمناعة المكتسبة (Acquired, or adaptive immunity) والتي تساعد ايضاً لاحقا على تحسين المناعة العامة في مجتمعاتهم, ما يعرف ب "المناعة الجماعية/مناعة القطيع" - Herd Immunity.

• الصنف الثاني - مصابين ذوي أعراض شديده (ما يقارب 20 بالمئة): هذه الفئه تحتاج الى علاج ومتابعه طبيه في المستشفيات. من بين ال 20 بالمئة الذين يصابون بأعراض شديده; ما يقارب 15 بالمئة منهم يصابون بأعراض قوية (Severe), والباقي منهم (اي تقريبا 4-5 بالمئة) يمرضون بشكل خطير وحرج (Critical), ويحتاجون لمراكز عنايه مكثفه (Intensive care units), ولأجهزة تنفس اصطناعيه. في هذه الفئه من المصابين, واغلبهم متقدمي السن (فوق جيل ال 60) ومن لديهم امراض مزمنة مسبقا (مرضى امراض القلب, داء السكر, ومرضى الرئتين); جهاز المناعة لديهم ضعيف ولا يستطيع ان يردع الفيروس.

في هذا الصنف الثاني تحديدا (ما يقارب 20 بالمئة من مجمل مصابي كورونا); عدوى فيروس كورونا ينتفل من طريق جوف الأنف إلى الممرات الهوائية ويسيطر على الحويصلات الهوائية (وحدات تبادل الغازات), الموجودة في نهاية الممرات الهوائية. هنالك, تُحدث تفاعلات التهابية تؤدي لإنتاج سوائل ملوثة, وخلايا التهابية, بحيث تنتقل الى الأكياس الهوائية الموجودة في قاع الرئتين; وينتهي التسلسل بالتهاب رئوي حاد (Pneumonia), مما يسبب الى ضيق في التنفس لدى المريض, الذي اصبح قسم من رئتيه ممتلئتان بسوائل ملوثة وخلايا الالتهابية.

يتميز الاتهاب الرئوي نتيجة الإصابة بعدوى فيروس كورونا (Viral Pneumonia)، هذا ايضا صحيح لمعظم الفيروسات التي تسبب التهاب رؤي حاد) كمثل فيروسات كورونا SARS و MERS وفيروسات اخرى غير كورونا); بحيث تظهر في صور الأشعة (Chest X-ray) وصور الصدر الطبقية (Chest CT), مناطق ذات بقع بيضاء على الركنين الأسفلين من كلا الرئتين (كما يظهر هنا في صور الأشعة أعلاه), ما يعرف عند الأطباء المختصين باسم "عاتمة الزجاج المطحون" (Ground Glass); وهي تدل على امتلاء جزئي الحويصلات الهوائية في الرئة بمواد التهابية ملوثة بالفيروسات, وهذا ما يسبب الشعور بالاختناق وضيق في التنفس. هذا بخلاف الاتهاب الرئوي الحاد الذي يحصل نتيجة الجراثيم البكتيرية (Bacterial Pneumonia), بحيث هناك نرى التهاب في جزء من احدى الرئتين, ونادرا ما يصيب الرئتين معا. ايضا, الاتهاب الرئوي الناتج عن جراثيم البكتريا; يوجد له علاج نافع وفعال من المضادات الحيوية (Antibiotics), ونرى تحسن ملموس وسريع بعد بدئ العلاج. اما الفيروسات, المضادات الحيوية لا تؤثر فيها ولا تعافي منها. العلاجات للاتهاب الرئوي الفيروسي من عدوى كورونا تبقى علاجات داعمة; واحيانا "تستعمل" مضادات حيوية لأن في بعض الاحيان تحدث مشاركة من جراثيم "بكتيرية" في الالتهاب المتراكم في الرئتين. قسم كبير من هذه الحالات ايضا يتعافون, وقسم قليل تتطور حالتهم الى نوع من الفشل التام في جهاز التنفس, ويصبحون ذات حالات خطره وحرجة.

كما ذكرنا مسبقا في هذا الصنف ايضا (ما يقارب 5-4 بالمئة من مجمل مصابي كورونا); يتفاقم ويتقدم الاتهاب الرئوي لديهم لينال مساحة كبيرة من كلا الرئتين (كما يظهر في صور الأشعة أعلاه), ويسبب فشل تام في الجهاز التنفسي (Respiratory Failure). في هذه المرحلة, يكون المرضى في حالة خطيرة وحرجه, ويحتاجون لرعاية خاصة في وحدات العناية المكثفة (Intensive Care Units) وأجهزة تنفس اصطناعيه (Mechanical Ventilation). هذه المرحلة, والتي تعتبر المحطة الأخيرة والمرحلة الأكثر حرجة (Critical Condition); فيها يتسارع المريض بين الموت والحياة, وينجوا منها البعض القليل من المرضى في غياب الدواء الحاسم لهذا الفيروس الشرس.

ماذا يحدث للرئتين بعد التعافي من مرض كورونا الجديد (COVID-19)؟

في الوقت الذي يواصل فيروس كورونا المستجد الانتشار واصاب ما يقارب 1,530,000 شخص حتى صباح هذا اليوم (09/04/2020)، ارتفعت أيضا حالات الشفاء والتعافي من المرض لتصل تقريبا الى 335,000 حالة. ورغم نسبة الشفاء العالية التي ممكن ان تصل الى 80%، الا ان هذا الفيروس يأبى الا ان يترك بسمات سلبية ومضعفات جسدية ونفسية تستمر لفترة شهور وممكن لسنين قادمة.

نشرت دراسة في المجلة الطبية المرموقة "لانسيت" (Lancet), مؤكدة أن المتعافين يبقون حاملين للعامل المسبب للمرض في الجهاز التنفسي لمده قد تصل الى 37 يوماً; مما يعني أنهم يبقون "ناقلين" للعدوى لعدة أسابيع بعد شفائهم منه. ونظرا لأن فترة العزل في "الحجر الصحي" الموصى بها هي لمدة "14 يومًا"; فالبعض من "المعافين" يبقوا ناقلين للعدوى لفترة طويلة بعد زوال الأعراض, مما يؤدي إلى انتشار الفيروس من غير علم او قصد.

نُشرت ايضا تقارير طبية صينية اولية، وتبين على ان المعافين من الأعراض الحادة لفيروس كورونا يعانون من انخفاض كفاءة وظائف الرئة (Pulmonary function capacity) بعد الشفاء, بنسبة تصل إلى 30%. وتشير عمليات المسح ايضا, إلى وجود تلف في الأعضاء في الرئتين, ولكن من غير المؤكد حتى الآن, ما إذا كان هذا قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة ومستمرة في وقت لاحق في الحياة مثل التليف الرئوي (Pulmonary Fibrosis).

هذه المعطيات تدل على انه من "تعافى" الأعراض الحادة "القاتلة" لفيروس كورونا قد "نجى من الموت" (Saved From Death); لكن سيبقى مع هبوط في عمل وضائف الرئة الى فترة من الزمن فيما بعد, ويستوجب علية الاستمرار في متابعة طبية مستمرة, والخضوع الى علاجات طبيعية لتأهيل وتقوية الرئتين (Pulmonary Rehabilitation).

نأمل بأن الاسابيع والاشهر القريبة ستأتي لنا بتقارير سارة وان البصمات التي سيتركها هذا الفيروس على المرضى ستكون عابرة ولا تبقى للمدى البعيد.

في الوقت الراهن والذي اساسا يتغيب فيه العلاج لهذا الفيروس الشرس, النصيحة الذهبية هي الوقاية الوقاية! وكما يقول المثل "درهم وقاية خير من قنطار علاج". تقع على عاتقنا جميعًا مسؤولية حماية أنفسنا والآخرين (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). أنصحكم أن تلزموا البيوت (وخاصة المسنين, فوق جيل ال 60, ومرضى القلب / والرئتين / والسكر), وعدم الخروج إلا للضرورة. بالرغم التوصيات بان يبقى كبار السن (وهم اعز ما نملك) في حجر منزلي مستمر وان نخفف عن مخالطتهم القريبة حفاضا على صحتهم, لكن يجب علينا ان نعطي هذه الفئة المسنه اهمية قصوى خلال هذه الفترة الصعبة. من واجبنا ان نخفف عنهم التوتّر والقلق, ونشعرهم بالحنان, ونوفر لهم كل احتياجاتهم بسهولة, ونتواصل معهم باستمرار من طريق الاتصال عن بعد بهدف التخفيف من مشاعر الوحدة والانعزال.

وأهمّ شيء هو الوقاية الأساسية من خلال النظافة الشخصيّة والاهتمام بغسل الأيدي المتكرر الماء والصابون أو بالكحول، وكذلك تنظيف طاولات الطعام والعمل بالمعقمات.

عافانا الله واياكم.

د. سعيد القريناوي - أخصائي - أخصائي الأمراض الصدريَّة /الرِّئة والأمراض الباطنية، قسم الرئتين مستشفى سوروكا واستشاري في عيادات كلاليت ومكابي. 

مقالات متعلقة