للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
بسم الله نحمده حمداً يوازي نعمه ويدفع نقمته ويكافئ مزيده ونصلي ونسلم ونبارك على سيدنا محمد ابن عبد الله مُعلم الصحابة الكرام.
مقدمة:
في ظل انتشار فايروس كورنا الذي أحاط العالم باسره دون تمييز بين حاكم ومحكوم، كبير وصغير، طبيب ومريض ووقوف الأجهزة الطبية في بعض الأحيان مكتوفة الايدي، نُقلب صفحات التاريخ باحثين عن حدث مشابه نستخلص منه العبر، في هذا المقال سوف نعود بصفحات التاريخ الى عهد الخلفاء الراشدين وبالتحديد الخليفة الراشدي المُلهم عمر بن الخطاب (634م/13ه-644م/23ه)الذي فتح بيت المَقدس وأكنافه من يد البيزنطيين بعد ان مهد له الطريق الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق (632م/11ه-634م/13ه، في عام 640م/ 19ه ) شهد بيت المقدس طاعون عمواس الذي فتك بأرواح العديد من الصحابة الكرام والسكان المحليين، وقد اتخذ الصحابة الكرام إجراءات جغرافية لتفادي تفشي هذا الطاعون.
الخطوات الجُغرافية للمعارك الإسلامية:
منذ ان تولى سيدنا ابي بكر الصديق الخلافة عام 632م/ 11ه توجهت عيناه الى أولى القبلتين والشام عامه كونها شهدت مسرى سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم، وَكل هذه المهمة للصحابي أسامة بن زيد، الا ان حروب الردة جعلته يَعدل عن قراره هذا وطلب من سيدنا أسامة البقاء في المدينة لمد يد العون لجيوش المسلمين بمواجهة المرتدين، بعد انتهاءه من حروب الرده وتوحيد صفوف المسلمين في شبه الجزيرة العربية وَكل مهمة فتح الشام وبيت المقدس للصحابي خالد بن سعيد بن العاص واشار اليه عند وصوله على عتبة الشام الانتظار هناك وعدم دخول أراضي الشام حتى يأذن له، الا ان الأخير لم ينصع لطلب الخليفة ودخل الشام وهُزم من قبل البيزنطيين، وفي اعقاب ذلك تم عزله من قبل الخليفة أبو بكر واعفاه من هذه المهمة. وفي شباط من عام 634م/ 13ه أسند مهمة فتح الشام الى أربعة من القادة العسكريين؛ يزيد بن ابي سفيان الى دمشق، امين الامه الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح الى حمص، الصحابي شرحبيل بن حسنة الى غور الأردن والجليل، اما داهيه العرب الصحابي عمر بن العاص الى بيت المقدس واكنافه، خرجت جيوش المسلمين تحت رعاية الله سبحانه وتعالى، وصل عمر بن العاص الى بوابه بيت المَقدس الجنوبية وقد فتح ايله (ايلات اليوم وليس كما يسمونها ام رشراش) بعد ذلك سيطر على وادي عربه ووصل اعتاب بحيرة الميت الجنوبية. عسكر عمر بن العاص بوادي عربه تهيُئاً للاستمرار نحو الشمال والوصول الى بيت المَقدس، الا ان البيزنطيين كانوا يعدوا العدة للنيل من المسلمين، عندها أشار الخليفة أبو بكر الصديق على خالد بن الوليد للقدوم من العراق الى بيت المَقدس لمساندة المسلمين ومد يد العون لجيش عمر بن العاص وشرحبيل بن حسنة وانضم اليهم جيش أبو عبيدة بن الجراح ووصل عدد جيش المسلمين نحو 32 الف مقابل 90 الف من البيزنطيين، وفي تموز من عام 634م/ جمادي اول 13ه التقى الجيشان بموقع اجنادين بالقرب من بيت جبارين وانتصر المسلمين وفُتحت الطريق امام المسلمين لباقي أجزاء بيت المَقدس واكنافه من الجليل حتى النقب.
في تاريخ 23 تموز 634م/ 22 جمادي اخره 13ه تُوفي ابي بكر الصديق واستلم مكانه الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، الذي أشار على ألقادة العسكريين بالاستمرار بالفتوحات الإسلامية في الشام. فقد تسلم لواء الجنوب "جند فلسطين"، سيدنا عمر بن العاص وفتح عسقلان، غزة، يافا وكل النقب، اما الصحابي شرحبيل بن حسنة فقد تسلم لواء الشمال "جند الأردن" وفتح الجليل باسره؛ الناصرة، الرينة، سخنين وغيرهم من البلدات الجليلية الأعلى والاسفل، وبعد معركة اليرموك 636م/ 15ه واجلاء معظم القوات البيزنطية من الشام اتجهت الجيوش الإسلامية نحو بيت المَقدس وتم فتحه عام 637م/ 16ه.
التنظيمات الإسلامية والتغيرات الجغرافية:
مع إتمام الفتح الإسلامي لم يتأخر الخليفة عمر بن الخطاب بالقيام بالتنظيمات من اجل رفع مكانة بيت المَقدس والشام، وذلك نتيجة مكانتها الدينية كونها تحتضن المسجد الأقصى الذي اسرى اليه النبي صل الله عليه وسلم من جهة، وجغرافياً منطقة حدودية مع الدولة البيزنطية المتقوقعة بالبحر الأبيض وتعُد العدة للانتقام من الهزيمة التي نالتها من المسلمين من جهة اخرى، في الاسطر القادمة سوف نتطرق الى التنظيمات التي بادر بها الخليفة عمر بن الخطاب واثرها على المدى الجغرافي:
أ- التقسيم الجغرافي/ العسكري: تم تقسيم البلاد الى اجندة، بحيث القسم الشمالي والذي يمتد من نابلس حتى الجليل منطقة واحدة اسمُها جند الأردن وعُين عليها الصحابي شرحبيل بن حسنة، ومن نابلس جنوباً نحوه النقب جُند فلسطين وعُين عليه الصحابي عمر بن العاص، اذاً لم يُطلق على المناطق الوية، بل جند ليكون الجيش دائما على هبة الاستعداد لمقابلة العدو.
ب- رفع مكانة المُدن ووظائفها: اهتم المسلمون عبر التاريخ بالفصل بين وظائف ومكانة المُدن، فمع إقامة الدولة الإسلامية أتخذ سيدنا الرسول علية السلام المدينة المنورة كعاصمة سياسية وبقيت مكة العاصمة الدينية، اما سيدنا عمر بن الخطاب اهتم بعدم الاقتراب من مُدن الساحل؛ يافا، قيساريا، كونهم عُرضة للهجوم البيزنطي الموجود في البحر، لهذا اتخذ اللد لتكون العاصمة الإدارية لجُند فلسطين وبيت المقدس عامة كونها تقع بموقع جغرافي يصل بين جبال البلاد والبحر، اما عمواس فقد أصبحت العاصمة العسكرية، اما بيت المَقدس فبقيت العاصمة الدينية، هنالك بعض المؤرخون الذين ذكروا ان طبريا كانت عاصمة الشمال "جُند الأردن".
ت- السياسية الاقتصادية: من التنظيمات الإسلامية التي اهتم بها المُسلمين وكان لها اثر كبير على جغرافية البلاد هي التنظيمات الاقتصادية، فقد جعل الخليفة عمر بن الخطاب الأراضي ملك الدولة، وذلك لمنع السكان والصحابة من الانشغال بها وترك الجهاد، وقد عين النصراني منصور الرومي ليكون عامل الخراج (ضريبة الأرض) وذلك لدمج اهل الذمة بالدولة الإسلامية، ليس فحسب فمنصور الرومي من السكان المحليين وله الخبرة والمعرفة بأنواع الأراضي ونوعية المزروعات التي تُناسب كل منطقة، واهتم بان يولي زراعة الأرض للسكان المحليين كونهم معتادون على الزراعة وبهذا يزداد المنتوج وتزداد موارد بيت المال، فالصحابة قدموا من شبة الجزيرة وليس لديهم المعرفة الكاملة بالنظام الزراعي، وقد أعفى الخليفة عمر بن الخطاب بعض اليهود والنصارى من دفع الجزية كونهم قدموا يد العون في المعارك امام البيزنطيين.
ث- ازدياد عدد السكان: نتيجة الفتح الإسلامي ازداد عدد سكان البلاد، فقد وصل الى البلاد الاف الجنود المسلمين الذين رافقوا الحملات العسكرية، فمن العائلات التي وصلت الى الشام كانت عائلة الصحابي حارث بن هشام، عائلة الصحابي خالد بن الوليد. حتى وصول الفتح الإسلامي كانت البلاد تضم عناصر سكانية متعددة؛ الروم، الفرس، اليهود، السامرة، وكان هنالك بعض القبائل العربية مثل؛ قبائل غسان ولخم وجذام وعاملة، والقسين، وبهراء وكلب وغيرها. لا بد من التطرق الى احدى العائلات العربية التي هاجرت من بيت المَقدس الى شبه الجزيرة العربية في عهد النبي صل الله عليه وسلم وهي عائلة الصحابي تميم الداري التي هاجرت من قبيلة لخم ضواحي الخليل الى المدينة المنورة واستقرت هنالك وكان الصحابي تميم الداري اول من صنع منبر في الإسلام، ومن سُلالة هذا الصحابي عائلة التميمي في ضواحي الخليل.
الطاعون؛ العلاج والاثر الجغرافي.
بعد استقرار المسلمين في البلاد بثلاثة اعوام 640م/ 19ه انتشر الطاعون في عمواس، التي تقع على مشرف القدس من الجهة الشمالية على بُعد 30 كلم، وقد توصل العلماء الى ان مصدر هذا الوباء هو من وباء جِستنيان الذي انتشر في الدولة البيزنطية في القرن السادس ميلادي نتيجة احتفاظ السُفن البيزنطية على متنها بالفئران، وقد حصد عدد كبير من أرواح سكان الشام وبيت المقدس، لهذا أسرع المسلمين لإيجاد علاج لإيقاف تفشي الطاعون، وكان الخطوات على النحو التالي:
أ- الفصل الحَيّزي/ الجُغرافي: بعد مرور شهر على تفشي المرض قدِم سيدنا عمر بن الخطاب من المدينة المنورة الى الشام وعندما وصل الى بلدة سرغ بين تابوك والحدود الأردنية/ السعودية اليوم استقبله قادة الجيش وأشاروا اليه بالعودة الى المدينة نتيجة تفشي الطاعون في الشام، لم يتسرع الخليفة عمر بن الخطاب بالرجوع بل انه استشارة باقي الصحابة، وقد أشار عليه الصحابي أبو عبيدة بن الجراح بالدخول الى الشام قائلاً: " افراراَ من قدر الله" فأجابه عمر بن الخطاب: "لو غيرُكَ قالها يا أبا عبيدة، نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان: إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟"، وقد حسم الموقف الصحابي عبد الرحمن بن عوف عندما قال، إن عندي في هذا علماً، سمعتُ رسول الله صل الله عليه وسلم يقول "عن المرض والوباء": "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فِراراً منه". عندها ركب الخليفة عمر بن الخطاب راحلته وعاد الى المدينة، وبهذا تم فصل جُغرافي بين الحجاز والشام خوفاً من نقل العدوى، فاليوم نجد هنالك الكثير من الدول والحكومات تُعلن الاغلاق التام لمنطقة جغرافية مُعينة تفشى بها المرض من اجل حصره في المكان وعدم انتشاره لمناطق أخرى.
ب- الحجر الصحي: بعد ان وصل الخليفة عمر بن الخطاب الى المدينة بعث برسالة الى عبيدة بن الجرح كاتباً فيها:"أن سلامٌ عليك، أما بعد: فإنه قد عُرِضَتْ لي حاجةٌ أريد أن أُشافِهَك فيها، فعزمتُ عليك إذا نظرت في كتابي ألا تضعه من يدك حتى تُقبِل إليَّ" فعرف أبو عبيدة ان الخليفة يوشك على ان يخرجه من الوباء، الا ان امين الامه تمسك بعقائده بالبقاء بالمكان لمُناصره الجيش والالتزام الصحي فأجابه: "يا أمير المؤمنين، إني قد عرفتُ حاجتك إليَّ، وإني في جُند من المسلمين، لا أجدُ بنفسي رغبةً عنهم، فلستُ أريد فراقَهم حتى يقضيَ الله فيَّ وفيهم أمرَه وقضاءه، فحلّلني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي". اذاً رفض أبو عبيدة الخروج من منطقة الوباء والالتزام بالقاعدة الصحية التي تنُص على البقاء بالمكان لوقاية النفس والاخرين، وهذا ما يُسمى اليوم بالحجر صحي.
ت- العلاج الجُغرافي: تُوفِي أبو عبيدة بن الجراح واستلم مكانه قيادة بيت المَقدس الصحابي عُمر بن العاص، الأخير لم يتأخر بالطلب من السكان بترك المُدن والقرى والخروج منها والحفاظ على البُعد بين بعضهم البعض، وفي نفس الحين ارسل اليه الخليفة عُمر بن الخطاب رساله تنص على خطوة جغرافية أخرى ذاكراً:" أما بعد، فإنك قد أنزلت الناسَ أرضاً غمقة فارفعهم إلى أرضٍ مرتفعة نزه"، عندها صعد السكان الى شُعب الجبال تاركين المناطق المنخفضة. مناخياً ما يُميز المناطق المرتفعة عن المناطق المنخفضة هو هوائُها النقي، وهنالك رواية أن العالم الإسلامي ابن سينا قد اجرى تجربة عندما وضع قطعه من أللحم في وادي وأخرى في مكان مرتفع وبعد فترة عاد ليتفقدهما، فوجد ان قطعة اللحم الموجودة في اعلى جبل ما زالت تُحافظ على جودتها، بالمقابل القطعة الموجودة في الوادي قد تعفنت، وقد اهتم الفلاح العربي من بناء بيته على قمم التلال والجبال من اجل؛ استغلال الأرض السهلية للزراعة، الدفاع عن البلدة وايضاً الابتعاد عن المناطق المنخفضة التي تتعرض للمستنقعات، وقد اهتم المهاجرين اليهود من تجفيف المستنقعات على السهل الساحلي الذي كان خالي تقريباً من البلاد العربية قبل قيام الدولة، وفي سنوات ال-50 تم تجفيف بحيرة الحوله بسبب كثرة الملاريا فيها.
ث- تغيرات ديموغرافية: في اعقاب تفشي الطاعون لقي حتفه العديد من السكان المحليين والصحابة الكرام الذين سكنوا البلاد والشام وقد شهدت بلادنا زيادة طبيعية سلبية، بحيث أصبحت نسبة الوفيات اعلى من نسبة الولادة، وفق الاحصائيات التي استسقيناها من المصادر التاريخية انه تُوفي بهذا الطاعون بين 25- 30 الف نسمة من السكان( المقصود كل الشام) ومن الصحابة البارزين الذي استشهدوا في هذا الطاعون؛ امين الامة أبو عبيدة بن الجراح، اعرف الامة بالحلال والحرام الصحابي معاذ بن جبل، فاتح الجليل شرحبيل بن حسنه، يزيد بن ابي سفيان، الفضل بن العباس، جندل بن صهيب، اضف الى ذلك خلال الطاعون توقف موجات الهجرة الى البلاد وبيت المَقدس.
ج- تراجع مكانة مدينة عمواس: نتيجة تفشي الطاعون فقدت عمواس مكانتها المدينية، فبعد ان تركها السكان عادت لتكون قرية صغيرة، وقد انسحبت منها القوات العسكرية وفقدت المكانة العسكرية.
ح- ركود اقتصادي: نتيجة تفشي الطاعون شهدت بلادنا (جند الأردن وفلسطين) ركود اقتصادي، فعندما طلب الصحابي الجليل عمر بن العاص السكان بترك المدن والقرى والصعود الى اعلى الجبال وترك الأراضي والابتعاد عن بعضهم بعض توقف العمل الزراعي والنشاط الاقتصادي في الأسواق.
للتلخيص: اهتم هذا المقال من السرد التاريخي الذي قدم الطاعون ورافقه ومن ثم التطرق الى العلاج والاثر الجغرافي لهذا الوباء، وقد توصل هذا البحث الى استنتاجيين أساسيين:
1- توطيد المجال العلمي الجغرافية –التاريخية، فمن خلال الأحداث والمصادر التاريخية التي اعتمد عليها هذا المقال تم التعرف على التغيُرات الجُغرافية التي شهدتها البلاد قبل وخلال وبعد طاعون عمواس.
2- درس تاريخي اخر يشرح لنا كيفية التصرف في المحن والبلاء، فقد وَصل لنا الصحابة الكرام (المبشرين بالجنة؛ الخليفة الراشدي الفاروق عمر بن الخطاب، امين الامة أبو عبيد بن الجراح، داهية العرب عمر بن العاص) الإجراءات الجغرافية لمعالجة هذا الوباء.