الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 30 / أكتوبر 07:02

الكورونا لن تغير حالنا ونحن الأحوج للتغيير.. فما السبيل؟/ حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 03/05/20 14:44,  حُتلن: 18:07

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

حسين فاعور الساعدي في مقاله:

في عالمنا العربي هنالك قضيتان بدون البت فيهما ستظل حالنا تسير من سيء إلى أسوأ ولن نخرج من هذا التيه الذي نحن فيه مهما حاولنا ومهما جلبنا من أموال أو طورنا من مشاريع وثروات

كل العالم أجْمَعَ أن ما بعد الكورونا ليس كما قبلها، بمعنى مفهوم تلقائياً وضمنياً وهو أن ما بعدها سيكون أفضل. هذا ما تخططه الدول المتقدمة صاحبة الثقافة السائدة والمسيطرة سواء كانت ثقافة المدفع والطائرة والدم أم ثقافة العمل والتصنيع. أما الشعوب المتخلفة والنائمة كشعوبنا العربية فإن ما بعد الكورونا ليس كما قبلها بمعنى الرجوع إلى الخلف والمزيد من التخلف والضياع والأنظمة الدكتاتورية المتعفنة . فلماذا؟؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من مقارنة سريعة وبسيطة بين شعوبنا العربية وعدة شعوب في العالم في ال 75 سنة الأخيرة، أي في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية:
لنأخذ اليابان التي خرجت مدمرة بعد الحرب وبعد قنبلتين نوويتين لا زالت آثارهما حتى اليوم، والصين التي تعد أكبر دولة من حيث عدد السكان وهي مشكلة من أصعب المشاكل لأن التزايد الطبيعي إذا ترك على عواهنه يبلع كل تنمية ممكنة مهما كانت سريعة. إذا قارنا هاتين الدولتين بمصر مثلاً فإن مصر في العام 1945 (عام انتهاء الحرب العالمية الثانية)) كانت أفضل حالاً منهما. فأين مصر اليوم من اليابان أو الصين؟ ولماذا؟

في عالمنا العربي هنالك قضيتان بدون البت فيهما ستظل حالنا تسير من سيء إلى أسوأ ولن نخرج من هذا التيه الذي نحن فيه مهما حاولنا ومهما جلبنا من أموال أو طورنا من مشاريع وثروات. فما نحتاجه هو جيل يسأل ويتساءل يفكر ويفكر ويعمل ويبدع. نعم نحتاج للإنسان الحر الذي يجدد حريته بمزيد من الأسئلة والتساؤلات التي لا تنتهي ولا تتوقف وقد ثبت على مدار عشرات السنوات الأخيرة أن الثروات بدون الإنسان المتسائل القلق الذي يرفض نهج القطيع لا تساوي شيئاً فها هي دولنا ألأكثر ثراءاً في العالم هي الأكثر تخلفاً فيه.
القضيتان اللتان يجب البت فيهما وفوراً وبدون تلكؤ أو مساومة هما:
قضية تنظيم الأسرة
وقضية المرأة.
لأنهما هما القضيتان اللتان أوصلتا شعوبنا إلى ما هي فيه من تخلف وضياع.

قضية تنظيم الأسرة:
سأقولها وبصراحة: في معظم دولنا العربية كمصر والسودان على سبيل المثال هنالك حاجة ماسة ليس لتنظيم الأسرة فقط وإنما لتحديد الأسرة كما فعلت الصين تماماً. وهنا سيعترض الكثيرون ويقولون أن هذا يتعارض مع ديننا الحنيف وعقيدتنا الإسلامية. وفي رأيي المتواضع لا يوجد نص قرآني أو حديث نبوي صريح ينص على منع تحديد الأسرة خصوصاً إذا كان عدم التحديد يضر ضرراً بالغاً ومصيرياً بالمصلحة العامة وهو ما يتنافى تماماً وبوضوح مع ديننا وعقيدتنا وهنالك الكثير من النصوص القرآنية والنبوية التي تمنع الضرر بالمصلحة العامة. وهنا يجب على السلطة التي ستقوم بسن القوانين لتحديد النسل التعاون مع الشيوخ الأفاضل ممن تهمهم مصلح الأمة لإصدار الفتاوى المناسبة لتطبيق ذلك.

إن الأب الذي ينجب عشرة أولاد ويتركهم للظروف تتقاذفهم كيف تشاء ليس أكثر إيماناً من أب ينجب ولدين ويوفر لهما كل ما يتطلبانه من أدوات وإمكانات لمواكبة العصر والسير في مقدمته وليس خلفه. القضية ليست قضية مأكل ومشرب وملبس فقط فهذه أمور أساسية لا يمكن بدونها. وإنما القضية قضية تنشئة جيل لديه المؤهلات ليكون في الطليعة وهذا الأمر غير مرتبط بتوفير المدرسة والجامعة أو الثروة فقط وإنما مرتبط بالأربع أو الخمس سنوات الأولى من حياة الطفل. فهذه السنوات الأربع هي التي تحدد أي مخلوق يكون هذا الطفل عندما يكبر. هل يكون إنساناً حراً متسائلاً قلقاً متوثباً لا يمكن التلاعب به أو الضحك عليه أم يكون إنساناً خاملاً متجمد العقل يساق كالقطيع وتتقاذفه الأهواء ولا يعرف ما يريد. هل يكون إنساناً ذا ذهن متوقد أم يكون إنساناً خاملاً متجمداً يأكل ويشرب فقط ولا يبدع ويخترع. فالأب الذي عنده عشرة أولاد لا يستطيع توفير ما يوفره أب عنده ولدان وهنا لا أقصد من ناحية مادية وإنما من ناحية عاطفية وهي الناحية الأهم في صقل نوعية الإنسان. من عنده ولدان يستطيع الإجابة على كل أسئلتهما وتساؤلاتهما مهما كثرت ويستطيع مناقشتهما والتداول معهما في كل ما يشغلهما وهو أمر أساسي ومصيري في التربية. أما من عنده خمسة أولاد أو عشرة فلا يستطيع القيام بذلك مهما كان مثقفاً ومهما كانت نواياه حسنة ومهما حاول. والطريقة المستعملة عند هؤلاء هي: "اسكت يا ولد" أو في أحسن الأحوال: "الله اعلم". وهذا يؤدي إلى تربية إنسان خامل لا يفكر ولا يبدع يفضل المسلمات ويستأنس بالسير مع القطيع وهو كل ما نعاني منه. هذا الأمر يريح الأنظمة المتعفنة ويسهل عليها التعامل مع شعوبها والمحافظة على نهج الراعي والقطيع. الأسوأ من ذلك أنها تستعمل هذا القطيع الجائع والمصاب بالهزال جراء الإهمال تستعمله لكبح وحتى قتل من يطالبون بالتغيير لمصلحته من أبناء جلدته وهو أمر مفجع ومأساوي يقوم به القطيع الآدمي ويأبى القطيع الحيواني القيام به برادع الغريزة التي فقدتها قطعاننا البشرية وهذا هو أسوأ وضع يمكن لكائن حي أن يصله. وهنا تبرز أهمية القضية الثانية التي يجب معالجتها حتى يمكن لشعوبنا أن تسير إلى الأمام بدل السير إلى الخلف:

قضية المرأة:
وأنا هنا لا أطالب بتحرير المرأة ومساواتها من باب الدعوات الزائفة والمنافقة. ولا من باب التضامن والتعاطف والمحاباة وإنما من باب الاتهام. فأنا اتهم المرأة العربية بمشاركتها في اقتراف جريمة التخلي عن مهنتها المقدسة والجليلة التي لا يقدر عليها غيرها والتي لا يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها وهي مهنة الأمومة (التي تشمل ربة المنزل). هذه المهنة التي لا يمكن شرائها بمال الدنيا ولا كسبها في أرقى الجامعات ولا يمكن توفيرها بواسطة أرقى المؤسسات. تركتها واستبدلتها بمهنة معلمة أو مهندسة أو طبية وهي مهنه لا ترقى إلى كعب مهنة الأمومة فكيف بمن استبدلتها بمهنة أدنى من ذلك مع احترامي لكل المهن؟. أنا لم أقل أنني ضد عمل المرأة. إطلاقاً. ما أقوله أن المرأة يجب أن تحافظ على مهنتها الأرقى والأسمى والأشرف وهي مهنة الأمومة أو ربة المنزل. لقد ألغى الغرب مهنة ربة المنزل وهي أرقى المهن واستبدلها براقصة أو عارضة أزياء أو عاملة نظافة أو طبيبة إلخ.. وتبعناه في ذلك بحيث أصبحت المرأة العربية تفتخر بكونها معلمة أو عاملة نظافة أو عارضة أزياء وتخجل أن تكون أمّاً أو ربة منزل وتربط ذلك بالتحرر وبالمساواة. إن أول ما ستقوله لك المرأة العربية إن طالبتها أن تكون ربة منزل هو. وماذا مع الرجل؟ وهنا لن أجامل ولن أحابي وسأقول: الرجل لا يستطيع أن يكون أمّاً (الأم تشمل بداخلها ربة المنزل) مهما حاول ومهما جرّب لأن في الأم أشياء عظيمة لا تكتسب وإنما تولد.

يجب إعطاء المرأة حقها الكامل في الدراسة وحتى تفضيلها على الرجل في هذا المجال فهي من سيبني الأجيال، ويجب إعطائها كل حقوقها كاملة كالرجل. أما هي فعليها المحافظة على مهنتها التي خلقت لها وهي مهنة الأمومة. فالطبيبة التي تحمل شهادة الطب عليها أولاً أن تربي أطفالها على الأقل حتى جيل أربع سنوات بعدها وبعد ترتيبهم في مؤسسات تربوية يمكنها ممارسة مهنتها دون التخلي عن مهنتها الأساسية الامومة. ما هو متداول اليوم في الدول التي تدعي التحضر هو إعطاء المرأة إجازة لثلاثة أشهر أو أربعة أشهر بعد إنجابها وهو أمر مضر جداً بالطفل. فبعد الثلاثة أشهر يوضع الطفل عند حاضنة أو في مؤسسة تربويه لا تعوضه عن حنان الأم ورعايتها بأي حال من الأحوال ولا أحد يعرف إلا الله ما يمر على هذا الطفل في هذه الأطر. هذا في أحسن الأحوال عندما تكون الأم متعلمة وصاحبة مهنة فكيف يكون الحال عندما تكون الأم جاهلة وكل سنة تنجب طفلاً؟؟ وماذا يكون الحال عندما يكون الطفل محروما حتى من الأشياء الأساسية كالمأكل والمشرب والملبس؟
عندما نحدد النسل ويكون للأسرة ولدين أو ثلاثة أو أربعة على أقصى حد فعندها يكون بإمكان الأسرة تعليم بناتها وأولادها وفي الجامعات أيضاً, وبذلك تختفي الكثير من الظاهر السلبية كالزواج المبكر والإنجاب العشوائي والتربية الفوضوية.
نحن بأمس الحاجة لمعالجة هاتين القضيتين معالجة جذرية وبسن القوانين التي تلزم الجميع القيام بذلك. وإلا فالقطيع سيزداد تخلفاً ولن يكون بإمكان الكورونا وحدها التخلص منه أو تخفيفه بل ستحتاج الدول "المتحضرة!" من أجل الاستفراد بالغابة لوحدها إلى ما هو أسوأ من الكورونا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة