الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 17:02

ارحمونا من هذا الحب القاسي

د.جهينة عمر الخطيب

د.جهينة عمر الخطيب
نُشر: 02/12/20 10:43

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

يتطلّب النقد الأدبي مسؤولية كبيرة أولها تجاه الأدب وثانيا تجاه القارئ المتلقي، وما يحدث في ساحتنا الثقافية النقديّه فيه من المهزلة الكثير. وأنا هنا سوف أتطرق إلى مصطلح النقد الأدبي ومصطلح نقد النقد.

يتضمن النقد الأدبي عنصرا واحدا وهو دراسة الأعمال الأدبية وطرق تلقيها وتذوقها، أما موضوع نقد النقد فيشمل عنصرين مختلفين، أولهما النقد الأدبي في مستوييه النظري والتطبيقي وثانيهما نقد الأعمال الأدبية.
فمن هنا فإن نقد النقد أشمل وأوسع من موضوع النقد الأدبي ويفترض من الناقد أن يكون قادرا على نقد الأفكار والأسس والمناهج معًا إضافة إلى قدرته على نقد الأعمال الأدبية وتحليلها وفك شيفراتها.
وما يحدث في مشهدنا النقدي أمور لا يمكن التغاضي عنها فأين هو النقد الأكاديمي الموضوعي الذي يتسم بالشفافية والصراحة والوضوح؟!

وسأحاول على عجالة من خلال هذه المقالة الإجابة عن تساؤلات داهمتني على هامش حوار أجراه معي الأديب سامي مهنا في برنامجه "محاور" في إذاعة الشمس حول المشهد النقدي في البلاد:
-هل يواكب الأكاديميون النقّاد الحركة الأدبية
-كيف يمكن أن تسهم اتجاهات النقد الحديثة في تطور النص الأدبي
- من هو الناقد ، هل كل أكاديمي هو ناقد؟ والفرق بين الناقد والباحث؟
- هل هناك ثقافة حوار بين النقاد؟
- ماذا عن دور الشللية والنفاق الاجتماعي في الحركة النقدية؟

إن الاتجاهات النقدية الحديثة لها حضور جيد في التنظير والتقعيد، لكن حضورها في الممارسة النقدية ليس بالقدر الكافي والمرضي، فعدد من النقاد ممن تناولوا الاتجاهات النقدية الحديثة وكتبوا في واحد منها أو أكثر وأبدعوا واستفاد الباحثون كثيرا من هذا الجهد، لكن للأسف قليلا ما نجد من يلتزم بالمنهجية النقدية الصارمة الجادّة.
فإذا كان هذا الحال المشهود على العديد من كبار النقاد فكيف الحال ممّن يمارس هواية النقد دون ذخيرة معرفية كافية او ممارسة مبتدئة لم تصقل بعد ولم يشتد عودها لتقف بثبات في ساحة النقد، لذلك فإنّ نقد الأعمال لدى كبار النقّاد والناشئين لا تستفيد من المناهج الحديثة، فهناك من يعلن التزامه بمنهج نقدي ثم ينحرف عنه أثناء الممارسة النقدية.
وظاهرة أخرى تؤثر في مسيرة النقد في بلادنا وفي الوطن العربي عموما وهي أنّ كبار النقّاد ما عادوا يتابعون كثيرا ممّا يصدر من أعمال أدبية وإبداعية خصوصا لجيل الشباب، بل اكتفوا بالتنظير والمراقبة من علٍ للمشهد الأدبي دون أن يجدوا وقتا في تمعّن تفاصيله.
وتكمن مشكلة حقيقية في عدم فهمنا لمهمة الناقد.
إن الناقد هو كل من يجيد قراءة النص ومن يمارس النقد بحب وبغواية النص له.
تحفل الجامعات بالعديد من حملة الدكتوراه ممن تخصصوا في مجالات النقد الأدبي، لكن نسبة كبيرة منهم ليس لهم أية إسهامات حقيقية في النقد الجاد، لأن بعض الاكاديميين شغلتهم ظروف التدريس الجامعي ومتابعة أوضاعهم المعيشية عن الاهتمام بالنقد، وشغلتهم الترقيات عن كتابة نقد حقيقي، فأخذوا يقرؤون من أجل كتابة بحث لتقديمه للترقية فافتقدوا لذة ممارسة النقد الحقيقي .

فالناقد الحقيقي هو الذي يمارس النقد كفن وغواية تجعل النص هو الذي يشده ويحدد له أسلوب اكتشافه.
كما وأنّ هنالك قلّة تخصصت في الأدب واللغة كنظريات دون أن يكون بمقدورها تطبيقها على النص فليس كل أكاديمي ناقدا ، وليس كل ناقد أكاديميا، فالباحث الأكاديمي يتسلح بآليات ويدرس المناهج الأدبية نظريا ولكن عند الممارسة يقف عاجزا، فالنقد فن بحاجة إلى موهبة وبالتالي هناك من يلجأ إلى وضع قواعد نقدية مسبقة ثم يريد تطويع العمل الأدبي ليتواءم مع التنظيرات والتوقعات التي سبق وأن بناها في معطياته السابقة.

وظاهرة أخرى أراها خطيرة هي ما يحدث في بعض المنتديات الثقافية ويساهم بشكل كبير في تشويه النقد وبلبلة القارئ المتلقي الذي لا يمتلك آليات النقد ويظن أن ما يراه ويسمعه هو النقد، وأنا هنا لا أعمم فبعض المنتديات ساهمت وما زالت في رقي الأدب الفلسطيني . ولكن الأكثرية تعمل بمبدأ الشللية والتهليل لناقد لا علاقة له بالنقد الجاد وبالكاد يمكن أن نطلق عليه لقب باحث، فنراه يصول ويجول في المنابر الثقافية والجميع يصفق ويهلل له وعندما تسمعه لا تجد بحثا جادا أكاديميا بل مجرد قراءة انطباعية بطلها اللغة ولا علاقة لها بالدراسة الأكاديمية الجادة.

وظاهرة أشد خطورة هي عدم تقبلنا لأي جديد وهذه طبيعة بشرية ألفناها عبر التاريخ سواء كان الحديث في مجال النقد أو السياسة أو الأمور الاجتماعية. وبالتالي أي تيار يأتي بثورة في التحليل واختراق عوالم مختلفة تبدأ ممارسات الإحباط ضده. فالخروج عن السرب غير مقبول وحتى لو كانت فيه روح التجديد ، كما أن عددا من الباحثين يركزون على دراسة أدباء معينين وإهمال بقية الأدباء وهذا نوع من الرغبة بالبقاء في مكان آمن من خلال اختيار أدباء قد تم تصنيفهم من قبل نقاد كبار بانهم أدباء جادون يستحقون دراسة أدبهم ، بينما نهمل كل أديب جديد ما زال يخط طريقه وقد يكون في نتاجه الأدبي ما يستحق فعلا الدعم والتشجيع.

وظاهرة أخيرة أذكرها في هذه العجالة هي افتقاد ثقافة الحوار بين النقّاد، فلا توجد حركة تفاعلية بينهم ، كلٌ يعيش في عالمه وفي برجه العاجي دون أن يطّلع على كل ما هو جديد في الدراسات النقدية فهو لا يرى ولا يثق إلا بنقده. كما وأن عددا كبيرا من النقاد الكبار يجلسون في برجهم العاجي ويشيرون بأصابعهم إلى بعض النقاد المبتدئين لمصلحة شخصية وكنوع من الشللية فيتهافت الإعلام حول هؤلاء النقاد دون النظر حقيقة إلى ما قدموه في خدمة نقدنا الفلسطيني .

وتكثر الظواهر التي تدقّ ناقوس الخطر ، ومع ذلك أن تضيء شمعة أفضل من أن تلعن الظلم فلا ننكر وجود عدد من القراءات النقدية التي تتصف بالقراءة النقدية الجادة المنطلقة من جوهر النص بثبات منهجي قويم يفيد منه المبدع مثلما يفيد منه القارئ ، ومثل هذا هو ما يمكنه أن يسهم في الارتقاء بالمشهد الإبداعي والنقدي وإضاءة الطريق أمام جيل المبدعين.

مقالات متعلقة