الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 10:02

يافة بلدي، بقلم: فؤاد أبو سرية – يافة الناصرة

فؤاد أبو سرية
نُشر: 11/02/21 06:43

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

تعني يافة الناصرة لي الكثير، فهي مسقط الرأس، موئل الأهل ووطن المحبة، وهي التي سِرتُ في شوارعها طفلًا صغيرًا وتعلّمت في مدارسها، وهي التي تفتحت فيها معارفي ونمت فيها مداركي، وفتحت عيني على ربوعها وخضرتها، في شوارعها وأحيائها تجوّلت مع أعزّ الأصدقاء وأروع الأحباء، وكان لنا جميعًا نشاطات وفعاليات سأذكرها دائمًا للأبناء والأحفاد بكل دفء، فخر واعتزاز.. لعلهم يرون فيها ما يستأهل الاهتمام ويستحق المواصلة.


بلدي يافة الناصرة تقع على مَبعدة حوالي الثلاثة كيلومترات عن مدينة الناصرة، تمتد أراضيها على مساحة تقارب الخمسة الآف دونم من الأراضي، وهي ترتفع حوالي الثلاث مئة متر عن سطح البحر، يعود تاريخها الأول إلى ألف وخمسمائة ونيف قبل الميلاد، أما اسمها فيعني البهجة.
الآن وأنا أكتب هذه الكلمات أشعر بكثير من الفخر والاعتزاز بهذه البلدة التي ولدت فيها وترعرعت في ربوعها وتنسّمت هواءَها، ورغم أن جذوري الأولى تضرب في القريتين المهجرتين زرعين ومعلول، فإنني أشعر بالانتماء الحارّ لها، لأهلها، وحاراتها وشوارعها، وقد دفعني شعوري هذا لأن أتعامل معها تعامل الابن البار مع والديه، فحاولت وما زلت أحاول أن أقدّم كل ما هو مطلوب مني وأكثر من أجل رفعتها، تطورها ورخائها.
في نظرة سريعة إلى الخلف بإمكاني أن أتوقّف عند عدد من المحطات المشرّفة في حياتي وحياة العديدين من أمثالي من أبناء بلدتي، وذلك ضمن محاولة مني إلى نقل التجربة أو شيء منها وإلى تعزيز الانتماء لدى أبناء الأجيال الصاعدة، إضافة الحضّ والتشجيع على العطاء وما يتفتق هذا عنه من تعميق الوجود وتأصيله.
لقد مرّت بلدتي الغالية في العديد من الفترات التي تراوحت بين المدّ والجزر، لتأتي النتيجة المحتّمة بالتطوّر والتجدّد، فترامت أطرافُها ونمت يومًا أثر يوم وسنةً تلو سنة لنراها تُفاخر بمكانها ومكانتها ولنرى بالتالي أبناءها يقدّمون لها كل ما تحتاج إليه من دعم ومساندة بهدف إحراز التقدم والتطور المنشودين في كل مكان وزمان، وأنا الآن عندما أُرسل نظرةً خاطفةً إلى الوراء أشعر كمّ تطوّرت بلدتي وتقدّمت، فعلى صعيد الأحياء ازدادت أحياؤها، تقدمت وتطوّرت، وها نحن نرى أنها تمتد وتتّسع لتلبّي الحاجات السكنية لأبناء الأجيال الطالعة ولتحتضنهم بحنوّ أب رؤوف ومحبّة أُم حادبة، أما على صعيد التعلم فبإمكاننا أن نرى إلى ما أحرزته بلدتي الحبيبة من تقدم ونماء، وبعد أن كان عددُ مدارسها في الستينيات قليلًا جدًا، ها نحن نرى إلى أنها غصّت بالروضات والمدارس الابتدائية، الإعدادية والثانوية أيضًا، ولعلّ ما يثلج الصدر ويدفئ القلب أن بلدتي كانت وما زالت تستقبل في مدارسها طلابًا من قرى وبلدات تقوم في الجوار، فتحية إليك أيتها البلدة الغالية.
لقد ترافق هذا التطور والتقدّم في بلدتي بوعي مرهف وأُدراك يتّصف بتحمّل المسؤولية لدى أبنائها، فعلى المستوى التعليمي ودعمه، بإمكاننا أن نرى إلى تلك الهمم العالية لدى العديدين من أبنائها لدفع المسيرة التعليمية، وأشهد هنا أن هناك الكثيرين من الأهالي قاموا بدورهم في دعم هذه المسيرة وذلك عبر تطوّعهم ومشاركتهم في لجان أولياء أُمور الطلاب التي كان لي شرف المشاركة فيها، وقد شهدت بأم عيني إلى تلك التضحيات الجسام التي قدّمها زملاء وأحباء لا أذكرهم تحرّزًا وتعففًا، كما أن المؤسسات الفاعلة في بلدتي لم تبخل في تقديم الدعم والمساندة للجهاز التعليمي في البلدة، إنني أكتب هذا الكلام وأنا افكر في ضرورة مواصلة هذا الطريق.. طريق التطوع والعطاء لدى من يلينا من أبناء وأحفاد، أهل وأحباء، وفي صدد الحديث عن هذه الظاهرة الايجابية والمميّزة يهمني أن أُشير إلى ظاهرة لا تقلُّ عنها أهميةً وتسّتحق اللفت والاهتمام، هذه الظاهرة تتمثل في التعامل الراقي الذي يغدقه أهالي بلدتي سواء كانوا مواطنين عاديين أو تجارًا واصحابَ محلّاتٍ تنّتشرُ في طول البلدة وعرضها، على الضيوف والزوار من شتى الفئات والانتماءات، فتحية اليهم.
لقد قارب عدد مواطني بلدتي اليوم العشرين ألفًا، وبعد أن كان عام 48، عام وفود أجدادي للإقامة فيها، لا يتعدّى الآلاف القليلة، ها نحن نشهد الإقبال على الاقامة فيها، وها هو حي كامل فيها هو حي بانوراما ليقيم فيه عددٌ كبيرٌ من أبناء المدينة القريبة المجاورة، مدينة البشارة.. الناصرة الغالية، إضافة إلى عدد لا بأس به من أبناء بلدتي، إنني أعتز وأفتخر وأنا اكتب هذه الكلمات بانني أُقيم في يافتي المختلطة، وأذكر بالمناسبة أنني ولدتُ في حي مركز البلدة القريب من حي مار يعقوب (القديس مار يعقوب) وأن طفولتي شهدت ما حفل به ذلك الحي الراقي من مظاهر الإخوة، المحبة، التعاضد والتكافل بين أبناء الطوائف المختلفة، وما زلت أذكر جيّدًا أجراس الكنائس وأصوات المآذن تتعانق فوق أرض واحدة وسماء متسعة.
إنني أُشدّد هنا.. في هذه الكلمة الايجابية.. مرة أُخرى على أهمية مواصلة روح العطاء والتطوّع لدى أبناء الأجيال الجديدة، كما أُشدّد على أهمية مواصلة أهالي بلدتي احترام كل من تطأ قدماه أرضها وتهفو عيناه للاستمتاع بزيارتها والاطلاع على ما حفلت به من آثار وزخرت به من ملامح عمرانية، أما روح المحبة والتآخي فقد جمعت دائمًا بيننا.. وسوف تجمع بيننا إلى ما لا نهاية، تحية لك أيتها البلدة الغالية ألف تحية...

مقالات متعلقة