الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 21 / نوفمبر 18:02

سامر مطر وأيمن جعار نماذج عن حجم الجريمة

بقلم: الأسير أسامة الأشقر

لأسير أسامة الأشقر
نُشر: 11/05/21 12:16,  حُتلن: 14:25

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

في يوم رمضاني عادي يسقط الأسير سامر مطر مغمى عليه، وعند نقله لعيادة السجن يتم إعادته للقسم وهو فاقد الذاكرة دون تقديم أي نوع من العلاج له وبقي لأكثر من اثني عشر ساعة فاقدا لذاكرته ومن لطف المولى عز وجل أن عادت له الذاكرة بعد تدخل طبيب مما يسمى بطبيب السجن، وعندما ذهبنا للاطمئنان عليه تكشف لي كم من المصائب التي يمكن أن تتكاتف على جسد نحيل لم يعد يقوى على تحملها، فهذا الأسير المعتقل منذ خمسة عشر عاما حكم عليه بواحد وعشرين عام وخلال هذه المسيرة الطويلة أصيب بمرض السرطان واستأصل جزء من أمعائه وهو يعاني لغاية اليوم من آثار هذا المرض وأثناء اعتقاله الطويل هذا مرت أسرته بهزات جسيمة حيث توفيت ابنته الأولى وما هي إلا أشهر معدودة حتى توفيت زوجته وابنته الثانية ولم يمضي كثيرا من الوقت حتى توفي والده بالسرطان، ولكي تكتمل حكاية الألم وحلقاتها والجرح المفتوح توفي عمه على أثر خلاف عائلي، هذه أحداث مركزة قد تحدث مع أحدنا في عقود طويلة ولكنها في حالة هذا الأسير حدثت في فترة وجيزة لتحول حياة الاعتقال الثقيل بحد ذاته إلى جحيم متواصل

من الاستنزاف القهر والموت المتواصل، كل هذه الأحداث الأليمة والموجعة لم تكن سببا مقنعا للاحتلال وإدارة سجونه بأن يعطي لهذا الأسير أقل حقوقه المنصوص عليها في كل الشرائع الدولية والإنسانية وهي العلاج الطبي أو الاتصال الهاتفي للاطمئنان على من تبقى من أسرته، وما زالت حكاية الألم مستمر وما زالت الجريمة متواصلة.
وفي مصادفة أخرى وكأن الأحداث تختار أوقات ظهورها وفي نفس اللحظة التي كنا نتحدث عن حالة سامر وأثناء مسيرنا في ساحة المعتقل، يحدثني الأسير أيمن جعار الذي يمضي حكما مؤبدا منذ سبعة عشر عاما عن والدته الذي عشق فهو يتحدث عنها بزهو ويقول أنه تركها قوية متماسكة ولم يلحظ في يوم من الأيام أي ضعف يبدو عليها، وبعد سنوات من مسيرة اعتقاله بدأت الأمراض تنهش جسدها إلى أن أصابها مرض السكري وبرغم ذلك كانت تصر على الحضور لزيارته باستمرار وكانت ترفض أن يمر يوم زيارته دون أن تزوره هي بالذات حتى أن لم يلحظ أي تراجع على وضعها الصحي. وبعد سنوات طويلة من زيارته وفي كل مرة كانت تتحدث معه بشكل طبيعي ودون أن تخبره بما تعاني أثناء زيارتها له، حتى تم إخباره بالخطأ من قبل أهله بأن أمه تعاني منذ زمن بعيد فقدان البصر، وحينما أتت والدته كعادتها لزيارته سألها عن حالها وصحتها فأجابته بشكل طبيعي أنها بخير وبصحة عافية وأمورها جيدة، فكرر سؤاله عليها إلا أنها أجابت بنفس الجواب فغير سؤاله ليسألها إن كانت ترى أي تغير في شكله فقالت كعادتها أنك شخصية وملابسك جميلة، فقال لها ما لونها فأخبرته بأنها ملابس السجن وعندما سألها إذا ما كان يلبس لون آخر تحت القميص فأخبرته بأن لونها أزرق حينها اكتشف أنها كانت بالفعل فاقدة للبصر وهي تخفي خبر فقدان البصر عن ابنها المعتقل منذ سنوات لكي لا تتأثر نفسيته داخل السجن ولكي لا يحزن على وضعها، حيث كانت تصر على إخباره بكل شيء جيد كي تحافظ على مشاعره وإن كان على حساب صحتها وما هي إلا أيام معدودة حتى فارقت والدته التي أحبت تراب الذي تسير عليه الحياة، وتلقى خبر وفاتها بصدمة بالغة ما زال يعاني من آثارها.
هذه نماذج أخرى من حياة المعتقلين الذين تنتشر أوجاعهم وآهاتهم في أرجاء السجون وداخل زنازين الاحتلال وهي لم تجد للآن الفرصة الحقيقية للخروج من هذه القبور المعتمة.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة