أريد الوصول الى البروة يقول المسافر العجوز ويمد يده بالنقود لسائق الحافلة،ويرد السائق بخبث:لا أعرف مكانا يدعى البروة! كلاهما يتمسك بموقفه وتنشأ مشكلة، حينئذ يتدخل الركاب لفض الخلاف وتوضيح سوء التفاهم وأحيانا لتأجيجه وفضه باللكمات ثم تمضي الحافلة الى مركز شرطة عكا،هذا ما كان يحدث وشاهدته مرات عدة في السبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي اثناء سفري من قريتي مجد الكروم الى عكا أو حيفا،العجوز يتحدث عن قرية أو موقع عرفه وعرف أهله قبل النكبة والسائق اليهودي العنصري لا يريد سماع هذا الإسم بل يريد سماع أسم (الموشاب احيهود) الذي أقيم على انقاض تلك القرية، والبروة هي مسقط رأس الشاعر الذي قال (وأعشق عمري لأني اذا مت أخجل من دمع أمي!).
استوطنها منذ الخمسينيات يهود جميعهم من أصل يمني يعتاشون من تربية الأبقار،حتى أنك إذا دخلت (الموشاب) تستغرب كيف يعيش الناس مع هذه الرائحة الزخمة،أما زيتون البروة الذي قصده الشاعر حين قال( لو يعرف الزيتون غارسه لصار الزيت دمعا) فيتم تأجيره من قبل دائرة أراضي إسرائيل لمقاولين عادة ما يكونون عربا ويمنع على أهله،ولكنه في السنوات الأخيرة بدأ يتلاشى بسبب تأسيس منطقة صناعية جديدة في المنطقة،كذلك لأن مئات من اهل البروة صاروا يزورونه بشكل منظم في ذكرى يوم النكبة بالذات الأمر الذي أشعل ضوءا أحمر لأولي الأمر فبدأوا بإزالته من الوجود،فيقتلعونه ويعيدون غرسه في أمكنة أخرى

يقول شاعر المحكية الفلسطينية سعود الأسدي
أنا بشعر
بِ هَالدّنيا اللعينة
شعور كبيرْ
بالغربة الحزينه..
مثل غربة زتونِة بقلعوها
من أرض الوعر تايزرعوها
على دوار
في ساحة مدينة!!
اليهود اليمنيون عرفوا ببساطتهم وكبارهم يتحدثون العربية، ولكن الغريب أن أوائل المستوطنين منهم اطلقوا على انفسهم أسماء عائلات البروة العربية وتقمصوها وانقسموا الى عائلتي درويش وكيال،وهذا واقع وليس خيالا فاذا سألت كبارهم حتى قبل سنوات قليلة من أي عائلة أنت؟أجابك بأنه من عائلة درويش أو كيال.
في مقالته يوم الإربعاء الأخير في القدس العربي تحت عنوان(أخجل من كوني فلسطينيا) يتعرق الأستاذ عبد الباري عطوان خجلا إزاء ما يجري من اعتداءات مشينة وخطف لصحفيين وقتال الأشقاء الفلسطينيين في ظل صراع عبثي على سراب سلطة، وتشاء الصدف أن يكتب المعلق الإقتصادي ليديعوت أحرونوت (سبير بوليتسكر) في صبيحة اليوم نفسه مقالة تحت العنوان ذاته( أخجل من كوني اسرائيليا)!تختلف الأسباب والخجل واحد!مصدر خجل بلوتسكر يتمركز حول التحركات الجنسية لرئيس دولته الأمر الذي جعل مديرة مكتبه السابقة تصرخ(عقرت بعيري يا رئيس الدولة فانزل) فأرغمته على إعلان تجميد رئاسته لثلاثة أشهر في خطاب متوتر جدا مساء الإربعاء،الفتاة تؤكد أنه أرغمها على مبادلته حبا غير عذري! كذلك الشبهات حول أولمرت عمدة القدس السابق بأنه نفخ حسابه المصرفي بطرق ليست حلالا، أما وزير الخزنة فلم تسلم منه الخزنة، ثم استقالة رئيس الأركان لأسباب تنكرها جماعة 14 آذار،ومن المنتظر أن يتبعه وزير القنابل العنقودية بيرتس الذي يدعي نصرا على المقاومة اللبنانية رغم الهبوط الحاد بأسعار الشقق في مدن وقرى الشمال وإعلان الكثير منها للبيع بعد الحرب لرغبة سكانها بالرحيل جنوبا وحتى غربا خوفا من جولة قادمة.
في الأيام الأخيرة وصلتنا ضربة خجل جديدة مبهّرة من اليمن السعيد، إذ قامت جماعة إرهابية بتهديد بضع عائلات يهودية الأمر الذي اضطرها على ترك بيوتها وطلب الحماية من الرئيس اليمني!هذه العائلات لن تكون مقطوعة من شجرة وبالتأكيد سيأتي من يستغل قضيتها، ولا أستغرب أن أجد هذه العائلات اليمنية بعد اشهر او سنوات قليلة تعيش في(البروة) ولكن هؤلاء لن يتقمصوا أسماء عائلات درويش وكيال لأنهم سيأتون ومعهم أسماء الحوثي والصالح،وعلى فكرة اسم صالح كان منتشرا جدا بين اليهود اليمنيين!
في القرن الماضي وقعت تفجيرات في احياء اليهود في المدن العربية بأيد صهيونية دفعت اليهود للهجرة الى فلسطين وهكذا تدور الأيام ويأتينا بعد أكثر من نصف قرن من يهدد بضع عائلات يهودية مسكينة آثرت البقاء في وطنها وبماذا! باسم الإسلام! أمسح جبينك يا أخي خجلا!
الفضيحة الكبرى هي بالذات عدم وجود فضائح! نعم يا لعار الدول التي لا تعلن عن فضائحها ولا تكشف فسادها!أين فضائح السلطة في وطننا العربي! ألا يوجد معارضون قتلوا، سجنوا أو هربوا من اوطانهم للنجاة بجلودهم،هل كل ما يجري في بلاد العرب حلال زلال،ألا يوجد شيء اسمه من تحت الطاولة! ألا يجري استغلال لمراكز القوة لقضاء الشهوات ولسرقة الأحياء والأموات! هل هناك من يسأل من أين لك هذا! ألا نخجل من نسبة الأمية والفقر والضعف والمهانة رغم الثروات التي تحسدنا عليها الأمم، أم أنه كما قال المثل ( إذا لم تستح ..من توريث الحكم.. فافعل ما تشاء)!