الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 25 / نوفمبر 17:02

رواية «خيرة أولاد الله»: تحليل نفسي- اجتماعي

بقلم: د. عامر جرايسي

د. عامر جرايسي
نُشر: 12/09/21 18:09

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

قراءة رواية خيرة أولاد الله للكاتب الدنماركي مورتن بابي والتي ترجمتها للعربية الأديبة الكاتبة سوسن كردوش- قسيس على طول 450 صفحة، أحداثها غارقة بكل أشكال العنف:
الجسدي- مثل الضرب والصفع والطعن والقتل ...
الكلامي- مثل الألفاظ النابية والشتائم..
النفسي- مثل التهديد والابتزاز والتخويف والاهانات..
الاقتصادي- مثل الخاوة وصرف مصروف البيت على الكحول والمخدرات...
ضد الممتلكات- مثل حرق السيارات وتكسير شبابيك المدرسة..
السياقة بسرعة وتهور وازعاج.. والتحرش الجنسي والاعمال المشينة..
تدور احداث الرواية داخل أحياء كوبنهاجن، أحياء فقيرة يسكنها المهاجرون والسكان الأصليون من الطبقة الفقيرة. العنصرية والكراهية تميز العلاقة بين المجموعتين اللتين تتصارعان على الموارد الشحيحة التي توفرها الدولة. الحدث الرئيسي بالرواية هو قتل فتى من أصل تركي (زكي) على يد فتى دنماركي (ميكي).
الحدث هو عنف جسدي بين مراهقين بحيث تدلنا الأدبيات المهنية أن الأهداف من وراء هذا الشكل من العنف هي: الحصول على منزلة اجتماعية، تحصيل المادة وهوية اجتماعية، القوة، عدل اجتماعي، ومقاومة للسُلطة التربوية.
عند التحدث عن العنف يجدر بنا التطرق للعوامل والأسباب والتي يمكن تقسيمها لأسباب عامة وأسباب أسرية وشخصية (نفسية).
الأسباب العامة هي بالأساس: الفقر والبطالة والتمييز العنصري. هنا لا بد من التطرق إلى فشل وكلاء التغيير والدولة (الدولة في دمج المهاجريين واستيعابهم، الشرطة -الاعتقال والافراج عن المعتقلين بهوادة-، الخدمات الاجتماعية، رجل الدين في المركز التأهيلي، المدرسة، ضابطة الدوام والتعليم الخاص وفُقدان السُلطة الوالدية داخل العائلات).
عند الحديث عن الأسباب الأسرية نتحدث عن استعمال الأهل للكحول والمخدرات، والعنف تجاه الابناء والاضطراب النفسي عند أحد الوالدين. هنا أقتبس من الرواية جمل توضح هذه النقاط: «إياك أن تأتي على سيرة والدي» (غياب الوالد من حياة الابن) (ص259)، «أقصى درجات الإهمال، السُكر، والعنف. هذا ما قالوه...»، قالت تينا (أم ميكي). «يبدو أنني كنت أم سيئة جداً» (ص343) وأكثر من مرة أرادت تينا إبعاد ميكي عن البيت.
أما الأسباب النفسية للعنف استنادًا للنظريات النفسية المختلفة فأذكر ثلاث نظريات أساسية: التحليل النفسي (الغريزة)، الإحباط والسلوكية.
1. نظرية التحليل النفسي (الغريزة) حسب فرويد وأتباعه والتي تقول بأن العدائية هي غريزة بشرية مولودة بهدف البقاء والدفاع عن الذات، لا يمكن إلغائها. اقتباسات من الرواية:
«إنه صاحب العينين ذواتي الجفنين المتدليين اللتين لم يشع منهما بوضوح إلا بريق التمتع بكراهية الغير» (ص8)، «ابتسم الأصغر من بين ابني الخالة ثانية، بتشف، كما لو أنه فخوراً بما حصل (ص9)، «... بينما كان الآخرون يتصايحون وكل يبدي برأيه حول طريقة الانتقام» (ص21)، «وهل هي جريمة كراهية الآخر، أم لا؟» (ص23)، «ارتسمت على شفتي ميكي ابتسامة عريضة وهو يضرب فيصل» و «كانت الكراهية تُدغدغ كل ذرة في جسد ميكي» (ص200)، «يحتاج المرء إلى التنفيس عن الضغط بين الحين والآخر، ثم أن رؤية الدم والشعور بالادرنالين وهو يتدفق بالعروق ينقي الجو، ويؤكد للشخص أنه لا يزال على قيد الحياة» (ص102) و«إنك تسكنني، فأنا الثور المُدرع والجاهز للمعركة...» (ص320).

2. نظرية الإحباط والتي تدعي بان العنف هو ردة فعل بسبب الإحباط الناتج عن وجود حاجز يمنع تحقيق رغبات أو حاجات. هنا نتحدث عن العنصرية والأكثرية المُحبطة نتيجة الفكرة بأن المهاجرين يحصلون على دعم أكثر مما يستحقون وذلك على حساب حقوقهم المدنية. اقتباسات من الروية:
«سوف نبذل جهدنا للعثور عليهم يا جميل. أعدك بذلك. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد العنصرة!!!» (ص11)، «سوف نحطمكم، كل يوم، حتى تنقلعوا وتعودا إلى بلادكم (ص 201) و «كم نحتاج إلى عصابة DKP في هذه البلاد، وإلا ضاعت البلاد واجتاحتها فوضى عارمة من كل هذا القرف» (ص312).

3. النظريات السلوكية تدعي بأن العنف هو سلوك مكتسب بالتقليد، يتبناه ويمارسهُ الإنسان عندما يلقى تدعيما ايجابيا. اقتباسات من الرواية:
«نظر الجميع... بينما تمتع ميكي بزخم تلك اللحظات، خاصة حين رأى بزاوية عينه كيف مال كيلر (خاله) بظهره إلى الخلف على الكرسي وارتسمت على شفتيه ابتسامة فخر» (ص244). قبل أسبوع من جريمة القتل أعتقل ميكي بسبب اعتدائه المبرح على أولاد المهاجرين وتم الافراج عنه بعد وقت قصير بواسطة خاله كيلر (تدعيم إيجابي).
من خلال قراءة الرواية يمكن تشخيص ميكي (الولد القاتل) بأن لديه «اضطراب المشاكل السلوكية – Conduct Disorder -والذي بالعادة يتطور بالبلوغ لدى الشخصية المضادة للمجتمع - Anti-Social Personality Didorder». عوارض هذا الاضطراب هي:
أ. السلوك العدائي المسبب لإصابة جسدية بالآخرين أو الحيوانات.
ب. التسبب في إصابة أو تدمير ممتلكات الآخرين.
ج. الكذب أو السرقة (خداع ليزا واسكيل).
د. الانتهاكات الجسيمة والمتكررة للقواعد.
اقتباسات من الروية: «عرف ميكي كيف ينظر إليها بعينين بريئتين كعيني الغزال المستعطف، وكان يدرك أن نظراته تلك تشكل لديها نقطة ضعف استطاع أن يقرأها جيدا من خلال نظرات عينيها البريئة والساذجة» (التحايل) (ص224). من علامات الانسان العنيف: «عاد ميكي لعادة عض لحم خدهُ، وتوترت عضلات جسمه كلها» (ص202). «أظلمت الدنيا في وجهه للحظة وهو يشد على عضلات رقبته وينطح خالد برأسه» (230).
بشكل عام هنالك أيضا عوامل داعمة للعنف مثل تدخين الحشيش وشرب الكحول ووجود اضطراب الافراط بالحركة وقصور بالتركيز ADHA (ص194)، «خرجنا أنا وديفيد معاً ودخنا، فلاحظ أنني اعاني أكثر منه من فرط الحركة وقلة التركيز» (ص316)، وأيضاً الحالة النفسية عند ارتكاب الجريمة بحيث كان ميكي بحالة برانويا (هوس الشك) نتيجة للمخدرات وعدم النوم لساعات متواصلة.
من المفارقة أن هنالك وجه شبه بين الضحية والجاني فكلاهما عنيفان بردة فعلهما، زكي (الضحية) كانب لديه تصرفات عنيفة واندفاعية «أمس، أصيب زكي بنوبة... حمل الخلاط الكهربائي ورماه نحو شاه روخ، فأصاب زجاج النافذة وحطمه، ثم حاول أن يدفع شاه خارجا من خلال النافذة المكسورة، فجرح شاه جُرحًا بالغًا بالزجاج وفُتحت يده» (ص50)، «زكي، لم يكن في محصلة الأمر من خيرة أولاد الله، بالضبط» (ص367).
لا يستطيع القارئ التغاضي عن التشابه بين الحالة التي تعيشها الأقلية من المهاجرين مع الأغلبية الدنماركية وبين الحالة الإسرائيلية-الفلسطينية. أبرز أوجه التشابه تجلت بمحاولة نظام الشرطة الدنماركي إظهار الجاني على أنه مريض نفسي يذكرنا بادعاءات مشابهة من قبل الشرطة الإسرائيلية عندما يكون الجاني يهوديا والضحية عربي مما قد يعفي الجاني من العقاب الفضائي بالسجن. اقتباسات من الروية:
«دعني أوضح لك الأمور يا جميل: بيني وبينك، تحدثت إلى المشتبه بهما، لساعات. هما شخصان مختلان عقلياً» (ص76)، «بعد ستة أيام ... قرأ جميل على الإنترنت تصريحاً لرئيس الشرطة ينكر فيه وجود أي دافع عنصري للقتل» (ص77). جانب أخر وهو وجود أغلبية داخل السجون من الأقليات من المهاجرين بمثل الوضع الحالي في إسرائيل بحيث يشكل العرب نحو 40% من المساجين الجنائيين بينما يشكل العرب 21% من مجمل السكان بالبلاد. اقتباس من الروية: «هم أولئك ال «باكي»، فهم من يملأ السجون ..» (ص102) و «إن كنت تشك فيما إذا الباكي على وشك الاستيلاء على هذه البلاد... (ص103).


(ألقيت المداخلة في أمسية إشهار الطبعة العربية للرواية في نادي حيفا الثقافي 19.08.2021)

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة