الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 11:02

الكرز المُبكر

بقلم: د. نيتع ليفمن - زاڤيت

كل العرب
نُشر: 14/06/22 17:17

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أشجار الكرز المزهرة الكثيفة تملئ مدينة نيويورك باللونين الوردي والابيض التي يصعب المبالغة في وصف جمالها.
ومع ذلك، فإن إرتفاع درجات الحرارة في السنوات الاخيرة تتسبب في إزهار الأشجار بوقت مبكر أكثر فأكثر، لدرجة ان الامر بات يشكل خطرًا على إستمرار وجود هذه الأشجار.

د. نيتع ليفمن، زاڤيت

أعيش في نيويورك منذ عامٍ كامل، وخلالها شعرت لربما للمرة الاولى في حياتي بمعنى فصول السنة، شهدت فصل الصيف الذي في غالبيته يتميز بالحرارة والرطوبة إلى جانب أيام صيفية ممطرة (حتى عواصف وفيضانات كالتي شهدتها المدينة في أغسطس الماضي).
على مدار فصل الصيف المدينة تكون مكسوة بأوراق الشجر الخضراء والملونة.
الخريف بألوانه القوية المتساقطة والبرد الذي يطغى ويغير المناظر الطبيعية.
فصل الشتاء الطويل الخالي من أوراق الشجر والمثلج في بعضه.
حاليًا لا توجد فرحة أكبر من أن ترى العالم ينبض بالحياة مجددًا مع حلول فصل الربيع.

أشجار الكرز هم أول من يُبشر بحلول فصل الربيع بمدينة نيويورك، من الصعب تحجيم جمال إزهار الأشجار خاصة بعد اللون الرمادي الذي ساد المناظر الطبيعية خلال فصل الشتاء.

تُنور أزهار الكرز وتنتشر باللونين الوردي والابيض، هذه الأزهار تتفتح قبل أن تُطلق الاشجار أوراقها فينبهر كل من يرى روعتها. لا يوجد مشهد أجمل من هذا ليبشر بحلول فصل الربيع.

أول أشجار الكرز وصلت إلى نيويورك عام 1912 عندما قدمت حكومة اليابان 2000 شجرة كهدية.
وفقًا لمعطيات إدارة الحدائق فإن حدائق نيويورك تضم 6700 شجرة كرز إضافةً إلى 34000 شجرة منتشرة في جميع أنحاء المدينة حيث النسبة الأكبر منها في كوينز التي تضم أكثر من 15000 شجرة، بهذا تُشكل أشجار الكرز نسبة 5% من مُجمل أشجار مدينة نيويورك.

هنالك أكثر من 100 نوع وصنف من أشجار الكرز للزينة، أكثر ثلاثة أصناف موجودة في حدائق نيويورك هي ال-Okame والتي عادة هي الاولى التي تُزهر في الاسبوعين الأخيرين من شهر آذار و-Yoshino تُزهر بعد فترة وجيزة اما صنف الكوانزان ( Kwanzan) فهي تُزهر في شهر نيسان من كل عام.

الإزهار يشبه عصا الهوكي

مع ذلك ليس كل شيء وردي في أزهار أشجار الكرز، في السنوات الاخيرة لوحظ تغيرات مقلقة في موعد إزهار أشجار الكرز، على سبيل المثال في عام 2021 كان موعد ذروة إزهار الكرز في كيوتو اليابانيه هو الابكر منذ 1200 عام، حيث كان متوسط إزهار الكرز في 17 نيسان عام 1850 لتصل اليوم إلى 5 نيسان.

هذا التغيير في موعد إزهار الأشجار متعلق بشكل مباشر في إرتفاع درجة الحرارة، منذ عام 1850 حتى اليوم إرتفع متوسط درجة الحرارة في كيوتو اليابانيه بنحو 3 درجات مئوية، هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على اليابان، فوفقًا للدراسات لوحظ تغيير مماثل في إزهار أشجار الكرز في واشنطن خلال الثلاثة عقود الاخيرة.
التغيرات في موعد الإزهار لا يقتصر فقط على أشجار الكرز فحسب، بل العديد من النباتات تُزهر شهر ابكر من موعدها خلال السنوات السابقة.

الإزهار المُبكر هو اكثر من مجرد إشارة مقلقة للاحتباس الحراري وأزمة المناخ، بل يتنبأ أيضًا بالسلب للأشجار نفسها بسبب الخوف من عدم التوافق بيت موعد الإزهار وفترات نشاط الملقحات التي تتغذى عليها.
على سبيل المثال، النحل هو الملّقِح الرئيسي لأشجار الكرز، فإن أزهرت مبكرًا بالفترة التي لا يكون هنالك عدد كافٍ من النحل النشط، هذا يعني ضعف تلقيح الأشجار وبالتالي تتضرر مستقبلًا.

أكثر من ذلك، حتى تُزهر اشجار الكرز الحساسة بشكل صحيح تحتاج إلى شهر كامل من الطقس البارد (أقل من 5 درجات مئوية)، بذلك يمكن ان يؤدي إرتفاع درجات الحرارة إلى إضعاف إزهار الأشجار.

وصف البروفيسور مايكل مان، خبير المناخ في جامعة بنسلفانيا قضية الاحتباس الحراري بسبب أزمة المناخ بأنه " عصا الهوكي" قائلًا:
درجة حرارة الكرة الارضية ثابته منذ 2000 عام، اننا في ال-200 الأخيرة منذ بدء الثورة الصناعية يمكننا ان نلاحظ قفزة حادة وكبيرة في إرتفاع درجات الحرارة كعصا الهوكي، من السهل ان نلاحظ من خلال المراقبة الدقيقة لموعد إزهار الكرز من قبل اليابانيين تأكد نظرية مان وان اتجاه الإزهار المبكر يذكرنا بالاحتباس المتسارع.
بالتالي من نواحي اخرى كثيرة، فإن ذروة إزهار الكرز لها ايضًا قيمة كبيرة لدراسة أزمة المناخ بسبب طول وحساسية الإزهار بدرجات حرارة الربيع.
العامل الآخر الذي يؤثر على تبكير إزهار أشجار الكرز هو التأثير المتزايد لظاهرة انخفاض الحراري في المدن، حيث يكون الجو أكثر دفئًا داخل المدن من خارجها. تفاقمت هذه الظاهرة في القرون الأخيرة بسبب زيادة التحضر البيئي.

أزهار الكرز كعلامة تحذيرية

نشر فريق من علماء المناخ التابعين للأمم المتحدة مؤخرًا تقريرًا شاملاً يشير إلى أن وتيرة التطور التكنولوجي وتدابير السياسة المصممة لمعالجة أزمة المناخ قد فشلت حتى الآن في تغيير موضوع ازدياد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
هذه الحقيقة مقلقة في حد ذاتها، لكنها تعني بمعنى او بآخر، أننا من المحتمل أن نكون أكثر عرضة للمخاطر الكبيرة التي تشكلها أزمة المناخ على العالم إذا لم نتحرك قريبًا، واتخذنا تدابير عالمية متعددة الحكومات لتقليل الانبعاثات وتغيير عادات الاستهلاك، فمن المحتمل أن نواجه كارثة مناخية.
في تقرير الأمم المتحدة تم طرح أخطار عديدة، لم يتم التطرق لموضوع إزهار الكرز، الامر الذي يجب ان يشكل لنا علامة تحذيرية. أكثر من ذلك، في عالمنا الذي نعيش فيه جميعًا هناك اهمية كبيرة لقضية التمتع بالطبيعة وإزهارها بالإضافة إلى التنوع البيولوجي والطبيعة الحضرية.
هذا العام أشجار الكرز المزهرة والمزدهرة كست مدينة نيويورك بأكملها بموعد مبكر خلال الايام الاولى من شهر نيسان.
نأمل أن يتم وضع حد لهذا الاحتباس الحراري حتى نتمكن من الاستمتاع من الإزهار الجميل والمذهل في المستقبل ايضًا.

هذه المقالة اعدت على يد زاڤيت - وكالة أنباء الجمعية الإسرائيلية لعلوم البيئة والمناخ. اضغط هنا  

مقالات متعلقة